مع نهاية العد التنازلي للافتتاح العظيم لازدواجية المرور في قناة السويس لصالح التجارة العالمية وتنمية مسيرتنا الاقتصادية والاجتماعية.. وجدتني استعيد ما يزخر به التاريخ الانساني علي مدي آلاف السنين من حقائق حول دور مصر الاساسي في اثراء الحياة الحضارية للبشرية الي ان تطورت الي ما هي عليه الآن.

هذه الحقيقة ليست كلام كتب وتاريخ فحسب وانما هي حقيقة وواقع يعترف بهما العالم بما في ذلك امريكا التي تقود مرحلة التقدم التي نعيشها حاليا. هذا الاعتراف سجله الفيلم التسجيلي لتاريخ التطور الحضاري الانساني منذ بدأت الخليقة والذي يعرض في مركز «أبكت» في والت ديزني بمدينة اورلاندو الامريكية.. ولقد كان اختيار مصر لاقامة القناة التي تربط البحرين الابيض والاحمر فتحا هائلا لصالح دعم الروابط والعلاقات التجارية بين الدول لخدمة الصالح العالمي الذي هو صالح كل شعوب الدنيا. لم يأت هذا الاختيار اعتباطا ولكنه جاء استثمارا لعبقرية موقعها الفريد الوسط للربط بين قارات العالم.
وتشير الاحصائيات الي ان التجارة العالمية قد تحصلت علي مئات التريليونات من الدولارات عوائد استفادة من اختصار فترات مرور التجارة العالمية بين الشرق والغرب. من المؤكد ان هذه العوائد سوف تتزايد بشكل كبير مع ارتفاع اعداد السفن المارة واحجامها من ٥٠ سفينة الي ما يقرب من مائة سفينة يوميا وفي وقت واحد.. مما يوفر ما يزيد علي ١٠ ساعات من رحلة اي سفينة تستخدم هذا الممر.
وبالنسبة لنا في مصر فإن اتمام هذا الانجاز التاريخي يعد واحدا من الانتصارات الحضارية المصرية الرائعة التي امتلأ بها التاريخ الانساني انه شهادة لصالح روح التحدي التي تعد من عناصر جينات الشعب المصري والجاهزة للبروز الي الوجود عندما يحين الوقت المناسب لاستدعائها. وفي هذا الشأن يحسب للرئيس عبدالفتاح السيسي الرافد الاساسي لثورة ٣٠ يونيو التي حررت مصر من الفاشية الاخوانية الظلامية انه كان وراء انعاش هذه الروح عندما تبني مشروع قناة السويس الجديدة. وقد كان الشعب علي قدر المسئولية في الاستجابة عندما لبي نداء توفير المليارات اللازمة لتمويل شق هذه القناة.
ورغم اننا ولظروف المشاكل والمصاعب التي مرت بالدولة المصرية وغياب الفكر الخلاق لاستثمار الثروة المتمثلة في موقع مصر الا ان هذا لا يمكن ان ينسينا المحاولات والمبادرات التي عمل احد قادة مصر المخلصين والذي عرف بسعة الافق والتفتح الفكري.. علي تفعيلها. هذا الابن البار لمصر هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات - سابق عصره- حيث سعي الي اكبر عملية لتطوير منطقة قناة السويس بداية من بورسعيد حتي خليج السويس. كان ضمن هذا المخطط تعميق وتوسيع القناة. ارتباطا بهذا الامر كلف السادات المهندس حسب الله الكفراوي وزير الاسكان والتعمير في ذلك الوقت بزيارة كل من هونج كونج وسنغافورة باعتبارهما اشهر المناطق الحرة التجارية والصناعية في العالم. كشفت الزيارة ان وراء هذا النجاح فكر واموال الشركات ورجال الاعمال اليابانيين. تم الاتصال بعد العودة بالحكومة اليابانية عن طريق سفيرها بالقاهرة لطلب التعاون مع مصر في مشروع تنمية منطقة قناة السويس. ادت هذه الاتصالات الي دعوة الكفراوي لزيارة اليابان للتباحث حول هذا الامر. انتهت الزيارة بالاتفاق علي وضع مخطط عام لعملية التطوير. تضمن هذا الاتفاق موافقة اليابان «منظمة جيكا» علي تمويل متطلبات البنية الاساسية بقرض طويل الاجل بفائدة لا تتجاوز ١٫٥٪.. ولسوء حظ مصر تعرض المشروع بعد رحيل السادات غدرا بالاغتيال الاخواني للتجميد. ساهم في ذلك تدخلات اباطرة الفساد ممن يطلقون علي انفسهم رجال أعمال. وهكذا اختفي هذا المشروع برحيل السادات صاحب قرار حرب اكتوبر الذي اتاح لقواتنا المسلحة تحرير سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس. بهذا الانجاز استعادت مصر كرامتها التي اهدرت بهزيمة ١٩٦٧ التي كانت محصلة لصراعات القوي وتصاعد نفوذ عديمي الخبرة من مسئولي الحكم في هذه الحقبة. ليس هناك ما يمكن ان يقال سوي الاشادة والاعتزاز والفخر بهذه الايام الفارقة من تاريخ مصر المحروسة ونحن علي مقربة من الاحتفال بالانجاز التاريخي لإنشاء فرع جديد لقناة السويس في اقل من عام. تحقق هذا العمل العظيم اعتمادا علي روح التحدي التي أفصح عنها الشعب المصري في حرب اكتوبر والتي تعد زادا لكل انتصاراته وانجازاته.
هنيئا لمصر هذا الانجاز التاريخي وشكرا لكل السواعد العارقة والعقول النابهة التي شاركت في انجاحه والشكر ايضا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة ورجال هيئة قناة السويس ولكل الشركات المصرية التي عملت في المشروع.. وشكرا خاصا ومن القلب للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تبني تنفيذ هذا المشروع الجبار واضعا نصب عينيه الاستجابة لتطلعات وآمال الشعب المصري انطلاقا الي آفاق الازدهار والتقدم. ان قناة السويس في صورتها التطويرية الجديدة التي اصبحت حديث كل الدنيا لن يقتصر خيرها علي مصر وشعبها ولكن سوف يعم هذا الخير علي كل دول وشعوب العالم الذين لابد وان يشعروا بفضل الفكر الحضاري المصري البناء في الماضي والحاضر.