الشاعر فيه يدفعه إلي الإمام بسرعة قبل أن يدفعه السياسي والشاعر لا يستخدم العنف ابدا حتي لو قال دومة عن نفسه ذلك

سمعت اسم هذا الشاب أول مرة أثناء ثورة يناير من أحد الشعراء. قال لي إن هناك شاعرا شابا اسمه أحمد دومة معتقل لأنه سافر إلي غزة تضامنا مع أهلها بعد أيام من إحدي الغزوات الإسرائيلية ، وأن اتحاد الكتاب لا يأخذ موقفا معه من نوع تخصيص محام له رغم أنه شاعر. يومها كتبت مناديا بالإفراج عنه ومناديا اتحاد الكتاب بالوقوف معه فالزيارة إلي غزة ليست ممنوعة. لم يطل الأمر بأحمد دومة وخرج من حيث كان ولم أره.اثناء أيام ثورة يناير لم أكن خلالها مهتما بالبحث عن أحد بعينه إذ كنت في ميدان التحرير بين الآلاف المؤلفة أقابل صدفة شخصا أعرفه أو يعرفني كبيرا أو شابا. انتهت ايام التحرير وما بعدها حتي جاء يوم كنت أجلس فيه بمقهي البستان الذي كان مزدحما جدا أيام الجمع الشهيرة علي اختلافها ، ووجدت شابا نحيلا جدا يأتي ناحيتي ويصافحني ويعرفني بنفسه. أنه أحمد دومة. كنت سمعت عنه كثيرا كما قلت ومن فر ط ما سمعت تصورته شابا كبيرا ضخما، لكني حين رأيته أمامي في نحافته وقلة وزنه البادية ابتسمت. هل هذا هو أحمد دومة الذي تنسب إليه كل هذه الأعمال ! والذي قبض عليه اكثر من عشر مرات بتهم غير حقيقية منذ حركة كفاية حتي بعد الثورة.
مرّت الأيام لا أقابله كالعادة إلا صدفة وأراه في التليفزيون. قرأت ديوانه الأول ورأيت آراءه صائبة في حديثه السياسي وإن قاله باسما أو ساخرا حتي وصل الإخوان المسلمون إلي الحكم وجري ماجري من تخليهم عن الثورة وأهدافها وقيامة الناس ضدهم. رأيت أحمد دومة يتصدر المشهد في المعارضة مع كثير من شباب يناير حتي جاء اليوم الذي رأيته يُضرب في المقطم من قبل أحد ميليشيا الاخوان. كان واضحا لي أنه مثل غيره من كثير من شباب يناير الأنقياء يبحثون عن تجسيد لشعارات الثورة البريئة ، عيش حرية عدالة اجتماعية ، بصرف النظر عن الحاكم كان من كان. وحين طلب المهندس أحمد ماهر للمثول أمام النيابة ذهب معه وجري ما جري من توجيه تهم لهما بالتظاهر والاعتداء. كنت أفكر كيف حقا يمكن لأحمد دومة أن يعتدي علي أحد. هو الذي تزوج ومن دون البشر فقد شيئا من وزنه علي عكس كل من يتزوجون ! كنت أعرف أنه يعاني من مشاكل صحية في معدته. كثيرا ما فكرت كيف يكون أحمد دومة محل هذه الاتهامات كلها ولم أجد مبررا مقنعا ابدا. أحمد دومة شاعر رغم عمله السياسي. الشاعر فيه يدفعه إلي الإمام بسرعة قبل أن يدفعه السياسي والشاعر لا يستخدم العنف ابدا حتي لو قال دومة عن نفسه ذلك فحديثه من باب اللامبالاة بالتهمة مادام الاخرون يهاجمون بكل الاسلحة ، ومن ثم فحديثه في مقابلته لوائل الإبراشي أنه كان موجودا ساعة الهجوم علي المجمع العلمي كان أيضا اندفاع الشاعر قبل السياسي. لقد كنت أنا موجودا هناك ذلك اليوم أقف بعيدا كعادتي لأني لا أستطيع الجري أمام القنابل ولم أرَ أحمد دومة. بل وذهبت يومها إلي قناة السي بي سي مع السيدة لميس الحديدي وقلت ما رأيته أن هناك في مبني وزارة النقل خراطيم مياه من فتحها علي الشباب كان يمكن ان يفتحها ويميلها إلي المعهد العلمي المجاور فيوقف الحريق إذا أراد. بل إن في المجمع العلمي نفسه مضخات حريق لكن الأمر مدبر بفعل فاعل ليس هو الشباب الثوار. أحمد دومة الشاعر المندفع رغم فهمه السياسي يمر عليه الآن عامان في السجن في قضايا متعددة تجاوزت الأحكام فيها الخمسة والعشرين عاما. تقريبا في مثل وزنه. ولله الأمر من قبل ومن بعد.