كان محقا الرئيس السيسى حينما قال أمس الأول ان الاستثمار فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ليس مكلفا مثل الاستثمار فى غيره من القطاعات الأخري، وفى ذات الوقت يتيح عائدا كبيرا يفوق هذه الاستثمارات، فإن تجارب غيرنا.. خاصة الهند− ماثلة أمامنا.. وكان محقا أيضا الرئيس السيسى حينما قال إن هذا القطاع هو سبيلنا للتخلص من بعض مشاكلنا خاصة البيروقراطية العقيمة، والفساد الإداري، فضلا عن البطالة أيضا.
ولكن حتى يتحقق كل هذا الذى قاله وطالب به الرئيس السيسى يتعين مراجعة كل أوضاع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حتى يكون هذا القطاع قادرا على الوفاء بالمطلوب فيه، وحتى يكون العمل الحكومى فيه مجديا ومؤثرا ويحقق المنشود منه، وهو جذب استثمارات أجنبية ومصرية كبيرة وضخمة فيه توفر فرص عمل لشبابنا، والتى نطمح أن تبلغ نحو مليون فرصة عمل فى غضون بضع سنوات، حتى لا يصير، عائد العمل الحكومى فى هذا القطاع ضئيلا مثل عائده من المؤتمر والمعرض الذى ينظمه سنويا على مدار ١٩ عاما حتى الآن، الذى تخرج فيه الشركة المنظمة له بنصيب الأسد!
وهذه المراجعة تبدأ أولا بالتزام الصدق مع النفس، ومع الرئيس ومع الشعب من قبل من يديرون هذا القطاع.. لنعرف أولا حقيقة الأوضاع الحالية للقطاع حتى نصوغ أهدافنا المنشودة من أية اعمال أو استثمارات حكومية فيه بشكل علمي، بحيث تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق من خلال الفترة الزمنية المقدرة.
فلا يكفى القول إن قطاع الاتصالات يحقق الآن دخلا قدره ١٢ مليار جنيه ونسكت، وانما يجب أن نضيف أن أكثر من ثلاثة أرباع هذا الدخل هو بمثابة رسوم رخص وضرائب تحصل عليها خزانة الدولة من شركات المحمول الثلاث وعلى عائد كل من الشركة المصرية للاتصالات عن حصتها فى شركة فودافون، وهيئة البريد عن حصتها فى شركة اتصالات.. أى اننا عندما نضع لأنفسنا هدفا بأن يصل العائد إلى الثلاثة مليارات دولار (أى نحو ٢٤ مليار جنيه)، فإننا لا نتحدث عن مجرد مضاعفة عائدنا من تكنولوجيا المعلومات، وانما نتحدث حقيقة عن مضاعفة هذا العائد ستة مرات.. وبالتالى هذا سوف يترجم لحجم محدد من الاستثمارات سنجد أنفسنا فى حاجة لاجتذابها لتحقيق هذا الهدف المنشود.. مع العلم أن لدينا فى هذا القطاع نحو ٤ آلاف شركة تعمل فيه الآن من بينها نحو ٦٠ شركة كبيرة ومتوسطة، والباقى شركات صغيرة بعضها تقول إنها تخسر.. ومع العلم أيضا أن ترتيبنا كمنطقة جاذبة للاستثمارات فى تكنولوجيا المعلومات تراجع فى السنوات الأخيرة من المركز الرابع إلى المركز الحادى عشر، وهو ما تمخض عن خروج شركات كبيرة من السوق المصري.. بل إن مصر كانت مؤهلة لتكون مكانا مختارا لتحويلات الكابلات العالمية للاتصالات بحكم موقعها الجغرافى المميز الا ان بعض الشركات العالمية سعت مؤخرا للالتفاف حولها وتجاوزها لاسباب شتي بعضها يتعلق بالظروف التى تعرضت لها مصر فى السنوات الأخيرة، وبعضها يتعلق بجاذبية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للاستثمارات الجديدة.
ان مصارحة النفس بكل هذه الحقائق سوف يلزمنا بتغيير ومراجعة أصول هذا القطاع لتحويله إلى قطاع جاذب، وسيتيح الفرصة لنجاح مبادرة الرئيس فى هذا الصدد وتحقيق اهدافهما المنشودة.
وبالطبع ان بناء مناطق تكنولوجية جديدة أمر مهم وضروري، ولكن حتى نستفيد من هذه المناطق التكنولوجية الجديدة يتعين أولا أن يكون مجال تكنولوجيا المعلومات قادرا على جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن القرية الذكية فى مدخل الطريق الصحراوى بين القاهرة والاسكندرية المستغل من مبانيها اقل من الثلثين، والقرية الذكية فى المعادى مستغل ثلث مبانيها فقط، ولا توفر القريتان سوى ١٤٠ الف فرصة عمل اذا تم استغلال كل مبانيها بثلاث ورديات عمل نهارا وليلا.
باختصار.. اذا صارحنا أنفسنا بحالنا سنصوغ اهدافنا بشكل سليم ونذلل العقبات التى تعترض تحقيق هذه الاهداف.