أهالى الدويقة فى إنتظار الموت ! 2012- م 07:30:18 الخميس 23 - فبراير إسراء النمر واقع كابوسى يعيشه أهالى الدويقة ، وهم يشاهدون تشقق الجبال والصخور من حولهم، منتظرين الموت فى أى لحظة ليلحقوا بأصدقائهم وجيرانهم الذين لقوا مصرعهم فى "6 سبتمبر 2008" عندما إنهارت كتل صخرية ضخمة على عشرات المنازل والعشش بعزبة بخيت بمنطقة الجورة في الدويقة بمنشية ناصر.  ووفق التقارير العلمية هناك 16 منطقة مهددة بالإنهيار فى الفترة المقبلة على رأسها صخرة "الشهبة بتبة فرعون" التى يصل وزنها 50 طنا، وشمال وجنوب هضبة الحرفيين التى تم إزالة 70% منها ويتبقى 30%، ومنطقة الدمرانى والخزان التى تقع على طريق الأوتوستراد، ومحجر فوزى عليوة، ومناطق الزرايب الملاصقة لجبل المقطم، ومنطقة المعدسة. مئات الأسر الفقيرة يستيقظون على الفزع، حين يكتشفون أن الصخور تتأهب للانهيار على رؤوسهم، فظروف المعيشة دفعتهم لصعود سفح الجبال للبناء عليه، دون إهتمام من الدولة بتحذيرهم أو منحهم سكن يليق بأدميتهم، ولأن تساقط الصخور من حواف الهضاب ظاهرة طبيعية معروفة على مستوى العالم وتسمى (تراجع المنحدرات) فتصبح الكارثة وقتها قضاء وقدر، أو إرجاعها إلى أن الزحف العمرانى العشوائى وسوء التخطيط السبب وراء مأساة أسفرت عن عشرات من الضحايا. "بوابة أخبار اليوم" انتقلت فى جولة ميدانية إلى منطقة الدويقة متسلقة الجبال لتكشف عن مأساة تهدد أرواح بسطاء يحيط بهم الهلاك من كل اتجاه.     بنصف إبتسامة إستقبلنا الحاج عبد لله الذى يتخطى العقد السادس من عمره، ويقطن احدى العشش المتواضعة منذ 27 عاما، يخبرنا بأنه لا ينتظر سوى الموت (الشئ الوحيد الذى يتأكد من حدوثه) فيترقب كل يوم سقوط الصخور على سطح بيته، ويقول فى حسرة: رفضتنا الحياة وكأنه كتب علينا أن نعيش دون أن نعرف إلى اى العصور ننتمى؟! نعيش وسط الجبال، نأكل الفول والعدس، نشترى مياه الشرب فى "جراكن"، نجهل القراءة والكتابة، ننام مع العقارب والفئران، يصرعنا برد الشتاء كل ليل، نسرق الكهرباء ونلقى الصرف على سفح الجبل، تجمعنا غرفة واحدة على وشك الإنهيار قبل الهضاب، ولا يجبرنا على ذلك سوى الفقر والبطالة. يضحك فأظنه يبكى ويواصل: "فى بلدنا ماحدش بيسأل فى حد" فبعد كارثة 2008 كان من المفترض أن ننتقل إلى شقق جديدة وبعد الإستعداد بنقل ما نملكه من أثاث بسيط، عدنا مخيبين الآمال. تدخل فى الحديث زوجته ماجدة محمد - التى تعمل فى البيوت لتساعده فى المصاريف خاصة وأن لديها خمسة أبناء من زوج آخر - لتعبر عن قلقها من الكتل الصخرية التى سقطت منذ ستة شهور دون أن تشعر الدولة بالكارثة التى ستحل بهم، مشيرة إلى أن هناك شرخ كبير يقسم الجبل الأصفر إلى نصفين، الأمر الذى أدى إلى ذعر سكان العشش من الموت فى اى وقت. وتشكو من تحول الدويقة إلى وكر لمدمنى المخدرات والبلطجية مما يجعلهم يخشون على بناتهم من الخروج حتى لا يتعرض إحداهن إلى التحرش والإغتصاب، بالإضافة إلى أكوام القمامة التى تحاصرهم من كل جانب، فالأهالى يقومون بإلقاء مخلفاتهم بجانب الجبل، ولا ترغب سوى فى غرفة بمكان محترم خالى من الموت! تصحبنا سناء رجب إلى داخل مجموعة من العشش المتجاورة الآيلة للسقوط نتيجة لغرقهم فى الصرف الصحى الذى ذوب جدران غرف النوم، فنجدها تعد أقراص طعمية للغذاء على موقد صغير ويتجمع حولها أطفالها الستة فى إنتظار طعامهم المعتاد، وتقول: نحن معرضون للإصابة بالإمراض الخطيرة بسبب التلوث الذى نعيش فيه، فهناك مرحاض واحد بدائى لأكثر من سبعة أسر مختلفة، وحين يأتي الليل تجد المكان كالقبر لا يوجد به عمود إنارة يحمينا من الحرامية والمتسولين. وتعبر عن رغبتها فى الإلتحاق بجيرانها الذين لقوا مصرعهم فى 2008 حتى تجمعهم مأساة واحدة كما جمعهم قهر واحد، وتضيف: احنا كل يوم قبل ما بنام بننطق الشهادة إستعدادا للموت فى اى لحظة، فلم يلتفت إلينا أحد كى ينقذنا من الخطر الذى يقف على أبوابنا، والوعود بالشقق صارت نكتة تضحكنا جمعياً.    ويتهم إدريس عبد الله النائب السابق حيدر البغدادى بأنه وراء بقائهم حتى الآن بعدما عزم الحى على نقلهم إلى شقق جديدة، ويؤكد: أصحاب الأراض دفعوا رشوة له كى لا نترك العشش التى تعود عليهم بالمال لأنهم حصلوا على هذه الأراضى بوضع اليد، كما أن احد اللواءات قال أننا أصحاب ورش ومصانع ولا نستحق المساعدة، ويفقد الثقة فى الثورة بأن تفعل شئ لهم طول ما فيه "محسوبية". وتصف فاطمة نقلها للصرف الصحى على أكتافها إلى سفح الجبل بالذل، فهى لا تستطع دفع عشرين جنيه للبرميل الذى ينزح الصرف كل شهر، وتستطرد: الجبل "بينشع" مياه علي حوائط البيت، علشان الحكاية تكمل، وهو لو مامتناش من انهيار صخرة الجبل، هنموت من انهيار البيت علي دمغنا. أثناء صعودنا الجبل رددت السيدات من شرفات البيوت "هتخدونا من هنا إمتى؟" طالبين النظر إليهم بعين الرحمة، فأطفالهم يلعبون بالصخور ومعرضون للسقوط من أعلى الجبل، كما أن كل البيوت مشققة ويحاولون إصلاحها لكن بدون فائدة، وقال إسلام (26 سنة): تحدث إنهيارات للصخور شبه يومية، ولا يملكون سوى الصبر على حالهم الذى لن يتغير.