(لا شيء يهم.. كانت تجربة، أو كانت الحياة) هذه العبارة كانت نصيحة عاقلة جدا، من أحد الأصدقاء، للخروج من حالة الجدية والانفعال الشديد والاندماج تماما في تلقي الأحداث والتعامل معها، اندماج هو أقرب إلي (التقمص) بالمعني الفني لدخول الممثل في الشخصية التي يقوم بأدائها.. لكن ضبط المسافة كان أحد الدروس المهمة للمسرحي الألماني بريخت.. تحديد المسافة بين الممثل والشخصية التي يقوم بأدائها، ضبط المسافة بيننا وبين الحدث، تلك المسافة، هي ما يسميه (بالتغريب) أو(جعل المألوف غريبا) بما يسمح بالتأمل والفهم والإستيعاب.. ويسمح بدرجة أعمق من التفكير، ومواجهة المواقف بقدر كبيرمن الثبات.. فالمسافة هي الوعي الذي يسمح لنا بالوقوف علي أرض صلبة...لا تقترب كثيرا من اللوحة التي أمامك، ولا تبتعد عنها كثيرا، في الحالتين لن تري شيئا، ولن تدرك تفاصيل اللوحة... مرة أخري لابد من ضبط المسافة حتي يمكننا الوعي بخطواتنا، والوعي بما حولنا.. حقيقة علينا إدراكها، أو التدريب عليها.. فأكثر نقطة مظلمة في الغرفة، هي النقطة التي تقع تحت المصباح مباشرة.. هكذا يضبط المهندس والفنان والكاتب والجميع مسافاتهم حتي يمكنهم الرؤية بدقة ووضوح... حتي في العلاقات الإنسانية، يكون الاقتراب الشديد مفسدة وعدم نضج، تماما كالانفعال الشديد، والعاطفة المبالغ في التعبيرعنها.. كلها صور من عدم ضبط المسافة، وفقدان القدرة علي السيطرة علي النفس.. ربما يستهوينا الاندفاع، ربما يستهوينا الجنون.. ذلك الذي يتبع هواه إلي آخر مدي.. أو يتبعه إلي الهاوية !!