مأساة بالفعل أن تكتب كل يوم..أن تجد الفكرة، أن تقنعك وتتحمس لها، وتمتلك الرؤية الواضحة، والسؤال الجدير بمشاركة القاريء..هى بالفعل معاناة يومية، تعيد صياغة الوقت والسلوك وتفاصيل الحياة حولك، وفقا لمواعيد الكتابة.. وعلى امتداد سنوات الكتابة اليومية، فشلت دائما فى كتابة مقال أو أكثر(رصيد أحتياطي) ينفع فى الأيام الصعبة،حين لا أجد الفكرة الجيدة والجديدة، ولا الرغبة فى الكتابة...
..قبل 7 سنوات طلب منى ياسر رزق رئيس تحريرالأخبار كتابة عمود يومي.. قلت (مش ممكن.. لن أستطيع الإلتزام)!!.....والتزمت بعذاب يومى وكتابة عصية واحساس بالمسئولية، يضاعف التوتر والخوف، ويضاعف أيضا التحدي...لم أستطع ابدا الهروب من سطوة اليومي، وملاحقة الأحداث والكوارث والصراعات والأخبارالسياسية تعصف بنا جميعا...لم أستطع أن أفعل ما كان يفعله صديقى الراحل
المبدع الكبير(إبراهيم أصلان) وكان يرتجف أمام الكتابة كل يوم، ولسنوات طويلة ظلت كتابة مقال أسبوعى لجريدة الأهرام، أمرا مزعجا تماما.. لكنه حافظ دائما على المسافة،ولم يأخذه الحدث اليومى الصاخب..(هناك أشياء نكتب عنها، وأشياء نكتب بها) تلك عبارته الأثيرة، وهى أحد حلول العلاقة بين الحدث اليومى، والكتابة خارج الحدث..بين (السياسة) و(الإبداع).. بين (الضرورة) و(الحرية)...فى مجموعته القصصية (حجرتان وصالة) كان يكفى أن يمر الرجل ببجامته الكستور المقلمة، فى إتجاهه إلى المطبخ لعمل كوب من الشاى قبل أن تصحو زوجته.. داخل شقة صغيرة لا تتجاوز حجرتين وصالة، لنستطييع أن نمسك بالحياة كاملة، ندرك تفاصيلها وعمقها، ولا نحتاج إلى نقاط ولا حروف، لنعرف أن هؤلاء البشر البسطاء، الذين يشبهوننا تماما، هم وقود الثورة الحقيقى.