موضوع «التفرغ للوظيفة البرلمانية» ـ أى عضوية البرلمان، موضوع مهم وخطير، طالما ناديت به من زمن، حتى استجيب له فى نصوص دستور ٢٠١٤م، على خلفية تحقيق هدفين، الأول أن عضوية البرلمان شرف كبير لا يضاهيها أى منصب آخر وتستحق لمن ينوب عن الأمة والشعب ان يتفرغ لهذه العضوية ومهامها فى التشريع والرقابة ليكون نائبا فعالا.. لا مجرد رقم فى البرلمان، والثانى : أنها بداية لاجتثاث الفساد من الجذور، لأن التفرغ يقطع صلة النائب بأى شىء ماس بسمعته أو استغلال سلطته البرلمانية ومكانته بصورة سيئة ودرءا لتحقيق مصالح شخصية له أو لذويه. وبالتالى لم يعد أمام النائب سوى خيارين لا ثالث لهما : اما أن يتفرغ النائب للقيام بأعماله كاملة، واما ترك البرلمان لغيره من القادرين على تحمل تبعات هذه الوظيفة عالية الهمة ورفيعة المكانة ومقامها الرفيع، فتداخل وظيفة أخرى مع وظيفة البرلمان مهما كان نبل القصد، حتما سيصطدم مع المصالح الشخصية، ومن ثم جاءت فكرة التفرغ لقطع الصلة مع فساد محتمل. لذلك جاءت المادة «١٠٣» من الدستور قاطعة وواضحة وصريحة وبلا غموض أو مراوغة. حيث نصت على : «يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية، ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقا للقانون». فهل هناك وضوح أكثر من ذلك؟! كما أن القانون رقم «٤٦» لسنة ٢٠١٤م الخاص بمجلس النواب أفرد جزءا شبه متكامل لتوضيح وتنظيم جزئى لهذه المادة الدستورية ابتداء من المادة «٣١» حتى المادة «٤٧».
فجميع برلمانات العالم تقر بمبدأ تفرغ عضو البرلمان لوظيفته البرلمانية، ولم يتخلف دستور 2014 عن الاخذ بهذه القاعدة، وألغى الاستثناء الذى كان واردا فى الدساتير السابقة بشان الوظائف العليا وأساتذة الجامعات ومراكز البحوث العلمية والوزراء.. الخ وباعتبار أن النص الدستورى «١٠٣» قد أعاد الاعتبار للوظيفة البرلمانية وساير نظم البرلمانات فى العالم، فلا سبيل الا احترام ذلك وعدم الالتفاف حوله، وإلا فان البرلمان سيفقد شرعيته من فقدانه لدستوريته، ومن ثم سبق أن طرحت فى هذا المكان، ضرورة اصدار تشريع واضح ومتكامل لهذه المادة الدستورية، لعدم السماح بالالتفاف حولها وعدم تفريغ نص المادة من مضمونها فالمادة تؤكد على التفرغ للوظيفة البرلمانية للعضو، وأكملت بالاحتفاظ بوظيفته أو عمله وفقا للقانون، وهنا فان المادة كانت جامعة مانعة. فمن كان يشغل وظيفة سواء اكانت عامة «حكومية» أو خاصة «قطاعا خاصا»، يحتفظ له بهذه الوظيفة، وأشارت المادة «٣١» من قانون مجلس النواب، تخصيص من له وظيفة حكومية يحتفظ له بوظيفته ويتقاضى ما كان يحصل عليه يوم اكتساب العضوية طوال مدة عضويته. أما الوظيفة الخاصة كالذين يعملون فى وظائف القطاع الخاص، فان عليهم التفرغ طبقا للنص الدستورى «مادة ١٠٣».
ولكن أصحاب الاعمال غير ملزمين بصرف رواتبهم، ولكنهم ملزمون بالاحتفاظ بوظائفهم ، وغير مسموح لهم بالعمل الخاص لدى أنفهسم فى مشروعات خاصة أو لدى الغير أثناء عضوية البرلمان . وينسحب ذلك على كل موقع يشغله النائب مهما كانت مكانته البسيطة أو الكبيرة فلايجوز اذن أن يكون للنائب موقع آخر سواء أكان منتخبا أو معينا، فعليه الاستقالة فورا، والا فان الطعن على عضويته بعدم الدستورية، وبالاخلال بواجبات عضوية البرلمان تصبح حتمية وقد يكون السبب المؤكد فى ذلك هو فك طلاسم العلاقة الغامضة بين النائب والحكومة. فهل يجوز ان يراقب النائب الحكومة بل ورئيس الجمهورية، على حين يخضع هو فى موقعه غير البرلمانى لرقابة الحكومة عليه ؟! وهل يجوز لشاغلى المواقع الأخرى أن يتعاملوا بيعا وشراء مع شركات حكومية وتوقيع العقود ... إلخ على عكس نصوص القانون ولائحة مجلس «الشعب» التى تحرم ذلك ؟!
ومن ثم فمن باب الاستقامة السياسية» واحتراما للوظيفة البرلمانية «تشريعا ورقابة» ليصبح النائب متحررا من أى ضغوط أيا كانت من الحكومة ويدخل فى باب المساومات ، ولدى وقائع لا حصر لها يمكن الاشارة إليها وتحديدا فى مقالات قادمة، تحقيقا للصالح العام ورد الاعتبار للوظيفة البرلمانية التى لا يعادلها شرف أى وظيفة أخرى فلماذا إذن الاصرار من البعض على التكالب على الوظائف الأخرى كرئاسة ناد أو جمعية أو تقديم برنامج توك شو، أو رئاسة تحرير صحيفة، وغيرها؟! ولماذا الاصرار على التكويش على مواقع عديدة فى يد الشخص النائب؟! لقد قدمت نموذجا حين انتخبت عام ٢٠٠٥م فكان أول قرار لى الاستقالة من رئاسة جمعية أهلية هى «منتدى القليوبية الثقافى والاجتماعي»، فمن يضمن عدم تضارب المصالح؟! قرأت مؤخرا تحايلا من رئيس قطاع الأخبار باتحاد الاذاعة والتليفزيون عن الموافقة على قطع أجازة توفيق عكاشة وعودته موظفا بالتليفزيون ليتقاضى مرتبه بعد أن يتفرغ، لماذا هذا التحايل ؟!
ألم يكتسب عضويته بنجاحه؟! ولماذا لم يعد قبل الانتخابات؟! ولماذا اصرار مرتضى منصور ونجله على رئاسة وعضوية نادى الزمالك، واصرار عبدالرحيم علي على تقديم برنامج ورئاسة تحرير مؤسسة صحفية، وغيرهم كثيرون ـ واتوقع كالعادة التشهير بى وتوجيه الشتائم بسبب دفاعى عن المبدأ للصالح العام، وللحوار بقية ومتصل .