ولأننا نحتفل ببداية عام جديد، فكرت أن أعيّد عليكم بأغنية سعاد حسنى: «الدنيا ربيع والجو بديع قفل لى على كل المواضيع»، لأن 2015 تأبى أن تتركنا دون «ابتسامة» ساخرة، فعلى المواقع اشتعلت المعارك حول الشاب»يوسف»، البالغ من العمر 26 سنة، والمتخرج فى معهد الخدمة الاجتماعية، لم يجد عملا يتناسب ومؤهله، فقرر أن يحمل «فاترينة فريسكا» ويتجول بها فى الطرقات، إلى هنا والحكاية تدعو للتقدير، لكن الطريف فى الأمر أن الشاب لايشكو، بل يعطى الشباب دروسا فى العمل، بدلا من الجلوس على المقاهى، الأكثر طرافة أن بعض الإعلاميين تلقفوا القصة بوصفها مثالا نموذجيا، موبخين الشباب «الكسول»، حين فاتهم «الميرى» فتمرغوا فى ترابه، بدلا من أن يعملوا بائعى مناديل، أو فريسكا. على الجانب الآخر سرت موجة عارمة من الغضب بين الشباب، من هذا البلد الذى يقتل أحلامهم كخريجى جامعات، ويوبخهم على عدم ممارسة أعمال لاتمت لتخصصاتهم بصلة، مختتمين وصلات السباب بدعاء «اللهم أخرجنا منها سالمين»، وكأن طاقة فى السماء كانت مفتوحة فى تلك اللحظات، إذ «انبهرت»إحدى الجامعات الغربية (تردد مرة أنها أمريكية ومرة بريطانية!) «لاستثنائية» يوسف، من دون شباب مصر ( ونسائها المعيلات!)، وأنعمت عليه بـ»منحة ماجستير إدارة الأعمال»، لم يتضح لى هل المنحة تتعلق بتخصص الشاب «الخدمة الاجتماعية» أم بالفريسكا، أم بالاثنين،خاصة أن الشاب فى صورة تذكارية، حمل خطاب المنحة، بسعادة،وهو يقول إنه سيصبح رجل أعمال، وستساعده «المنحة» على تطوير صناعته بشكل «غير تقليدى»، والحقيقة أن ماهو غير تقليدى ليس تطوير الفريسكا، وإنما «مظهر» الشاب وهو يتجول فى الشوارع بابتسامة آخاذة، مع وسامته الواضحة، و«القُصة» المنسدلة على جبينه، مرتديا الصديرى، و«البابيون» وهوليس مألوفا فى بلادنا، وعلى الفاترينة صورة «جيفارا»! وجهاز للموسيقى، تنبعث منه أغان أمريكية، يحفظها الشاب عن ظهر قلب، كما يبدو من دندنته بها، مما ينم عن»غير تقليدية» بالفعل لبائع فريسكا، كادح، متخرج فى «خدمة اجتماعية»،فخريجو الجامعات لايتقنون العربية، فمابالكم بالإنجليزية؟! يختلف الشاب الوسيم بالقطع عن مئات الشباب الذين تصادفهم على الشواطئ فى الإجازات الصيفية، يتجولون بفاترينات الفريسكا فى موسم الصيف، وقد تصبب العرق منهم، إلحاحا على المصطافين، الذين «يفاصلونهم» ليسلوا أنفسهم باقتطاع بضعة قروش ممن يجمعون القرش على القرش ليتمكنوا من شراء كتبهم،ومايحفظ ماء الوجه من ملابس للعام الدراسى الجديد. الاختلاف، فيما أظن، فى عدم قدرتهم على هذه الابتسامة الناصعة، ليوسف «النموذج المثالى»، وعلى لفت انتباه الغرب إليهم مثله، يختلف الشاب أيضا عن «النمر الأسود» أحمد زكي، فى أرض الغربة، فى إخفاقاته وهزائمه ويأسه أحيانا، وفى انتصاراته البطيئة الدؤوب حتى يصبح رجل أعمال، صعد- بمشقة- جبل النجاح، فصدقناه جميعا، وصفقنا له، ولأن بيع الفريسكا، ودراسة الخدمة الاجتماعية لاتتطلب «قدرات غير عادية» تؤهل صاحبها لأن تختطفه الجامعات الغربية! بدت لى ملابسات حكاية الشاب أقرب لحكاية بطل فيلم «فورست جامب»، الذى أنتجته السينما الأمريكية عام 1994 ونال نجاحا ساحقا،ففى مشهد شهير نرى»جامب» جالسا على مقعد ينتظر الباص، ويروى قصة حياته، بينما تتطاير «ريشة» إلى جانبه فى الهواء، كرمز لهذه الحياة، إذ قادته سلسلة من «الصدف» الغرائبية! إلى أن يصبح مليونيرا، دون قدرات «استثنائية» سوى تقبله كل شئ فى حياته دون تذمر فكافأته الأقدار.المدهش أن صُناع الفيلم قدموا شخصية البطل، بسخرية «مجلجلة «لنموذج المجتمع الأمريكي، بينما تنتقى الجامعات الغربية من شبابنا ما يشبه بطلا لفيلم فى صيغته الغرب- مصرية! لتلعب المصادفة دورها فى حياة «يوسف»! رغم أن كثيرين غيره يبيعون الفريسكا، دون صناعة إعلامية، وكثيرين «نابغين»يحلمون فى مراكز الأبحاث أن تهبط عليهم منحة مثله، لكنهم لايشبهون «يوسف» أو «جامب»، فلايرتدون البابيون ولايغنون،سعداء،أغانى «الراب»، ولاحتى: «الدنيا ريشة ف هوا»!