أثارني ما جاء في خطاب رئيس وزراء بريطانيا بمناسبة العام الجديد متعلقا بقضية الارهاب والارهابيين. قال انه لن يسمح للارهاب والارهابيين ان يهددوا الأمن القومي لبلاده. رغم ان ما قاله أمر محمود يتوافق ومسئوليته الوطنية الا انه في نفس الوقت تجنب عن عمد الاشارة إلي ان قوانين بلاده تشجع رموز الإرهاب الدولي من خلال توفير الحماية والمأوي لهم وهو ما يجعلها لا يمكن ان تنجو من اخطاره.. إن القائمين علي هذا الإرهاب مثل الثعابين الغادرة اذا ما توفر لها الدفء فإنها لا تتواني عن لدغ أقرب الاقربين إليها. استنادا إلي هذه القوانين والمعاملة البريطانية فإن بريطانيا أصبحت أكبر معقل للقيادات والزعامات الإرهابية.
الشيء المثير ان بريطانيا تسعي إلي ان تمسك «العصاية» من الوسط في مسألة الارهاب وهو ما يتجلي في موقفها من زعامات جماعة الارهاب الاخواني التي خرجت من رحمها كل التنظيمات الارهابية. انها ورغم التقرير الذي اعده خبراء بريطانيون عن مخططات وممارسات هذه الجماعة ودورها في تفريخ الارهابيين والمتطرفين القتلة في كل انحاء العالم فإنها ووفقا لهذه السياسة تسمح لهذه الزعامات والقيادات الإرهابية بالاقامة رغم ان بعضهم لم يتوقف عن نشاطه واتصالاته بينما البعض الاخر محكوم عليهم في جرائم ارهابية. ومطلوب تسليمهم للدول التي هربوا منها. ليس من تفسير لهذا الذي يجري سوي انه تناقض مع النفس وخداع للعالم تحت دعوي حماية الحريات دون أي اعتبار إلي ضرورة ان تتسم ممارستهم لهذه الحريات بالسلمية وبعيدة عن ارتكاب جرائم التطرف.
حول هذا الشأن حذرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية نقلا عن أحد المسئولين في الاستخبارات الاوروبية من ان بريطانيا سوف تكون الهدف القادم للتنظيمات الارهابية. لا معني لهذا سوي ان وجود الرموز الارهابية علي الارض البريطانية لم ولن يحميها من هذه المخططات الاجرامية.
ان ما يؤكد هذه الحقيقة استهداف العاصمة الفرنسية باريس بالهجوم الارهابي يوم 13 نوفمبر الماضي الذي راح ضحيته العشرات. لقد كان علي بريطانيا وعلي ضوء ما جري في باريس وما سبق ان تعرضت هي نفسها له منذ عدة سنوات ان تأخذ درسا وتتخذ موقفا حادا ومسئولا من كل العناصر التي كانت ومازالت افكارها وسلوكياتها وأنشطتها السرية وراء انتشار هذه الظاهرة الاجرامية علي مستوي العالم.
الشيء الغريب ان الحكومة البريطانية مازالت تتغافل عامدة متعمدة عن كونها تعد أكبر مركز لتجمع المتطرفين ذوي الميول الارهابية. انها لا تريد ولغرض في نفس يعقوب محوره النزعات الاستعمارية التآمرية الاقدام علي اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة من نشاط هذه الجماعات التي تتخذ من لندن والمدن البريطانية مقرا لمواصلة أنشطتها وبث سمومها. من المؤكد ان أي اجراءات عقابية أو احترازية من جانب بريطانيا اذا ما خلصت نياتها تجاه محاربة الارهاب سوف يكون لها اكبر الاثر في محاصرته والقضاء عليه.
لا يمكن في تناولنا لمن يقدمون الدعم والمساندة للارهاب الدولي ان نسقط من حسابنا ما تقوم به كل من تركيا وقطر في هذا المجال. انه يشمل تقديم كل ما يدعمه ويسانده للقيام بعملياته الدموية. يشمل ذلك المال والمأوي وتسهيلات المرور والسفر إلي المناطق المستهدفة. ان رعاية الانظمة الحاكمة في كل من تركيا وقطر ليست خافية عن أي متابع عما يجري في سوريا وليبيا والعراق ومصر.
رغم الدراسات والابحاث وقرارات مجلس الأمن الاخيرة فإنه لا أمل لمحاصرة ظاهرة الارهاب سوي بتجفيف منابع التمويل وعدم توفير المأوي الآمن. هذا لا يمكن ان يتأتي إلا بتضافر كل الجهود الدولية في مواجهة هذا الخطر بما في ذلك اتخاذ موقف حاسم وواضح من الدول المساندة لهذا الإرهاب. وإلي ان يتحقق هذا فإنه لا أمل في الخلاص من هذا الخطر الداهم الذي يهدد البشرية والحضارة الانسانية.