يجمع هذا العنوان وعن قصد بين أمرين يكادان يكونان متناقضين من حيث القبول والرفض، أحدهما لا غني عنه لإثراء العملية الديمقراطية، والآخر يشكل خطراً بالغاً علي كيان الدول ويهدد بانهيارها أو ضعفها أو تمزقها، أما التعددية السياسية فهي مطلب ديمقراطي عادل، فعالم القطب الواحد، ودول الحزب الواحد، غالباً ما يؤول بها الحال إلي لون من الديكتاتورية أو الضعف والاسترخاء لعدم وجود منافسة حقيقية تدفع المنافس إلي استنفاد أقصي ما في طاقته في الوفاء بحق ما يسند إليه من مهام وتكاليف.
أما وجود سلطات موازية في أي دولة، أو وجود جماعات ضغط ذات مصالح خاصة بها، أيا كان شكل هذه السلطات والجماعات، فإن ذلك يُشكل خطراً علي بنيان الدول وتماسك كيانها، وبخاصة تلك السلطات التي تتستر بعباءة الدين وتحاول أن تستمد قوتها ونفوذها من خلال المتاجرة به.
والمقياس الوحيد الذي تقيس به أي دولة أو مجتمع مدي وجود سلطات موازية أو عدم وجودها، هو مدي قدرتها علي إنفاذ القانون علي الجميع وبلا أي حسابات أو استثناءات وبلا تردَّدٍ أو توجُّسٍ، وألا يُسمح لأي جماعة أو شخص بالتمترس بأتباعه للالتفاف علي القانون أو تعطيله بالقوة علي نحو ما كان يحدث عام الأهل والعشير الأسود، وأن يسلك الجميع الطرق القانونية في التعبير عن مطالبهم، وأن يلتزموا بما تقتضيه القوانين واللوائح المنظمة في كل مجال من المجالات، مؤكدين أننا لا نجيز الاحتيال علي القانون، وأن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي تنطلق منه جماعات الإسلام السياسي قد انحرف بالمجتمع عن جادة الصواب وهوي به إلي مزالق خطيرة كادت تعصف به لولا فضل الله ولطفه بنا، ويقظة وضمير السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي ومن خلفه قواتنا المسلحة الباسلة، وسائر الشرفاء الوطنيين المخلصين، مما يجعل شبح العودة إلي الفكر الإخواني الإرهابي في محاولات إنشاء كيانات موازية لكيانات الدولة أمراً مزعجاً يجب التصدي له بكل قوة وحسم حفاظاً علي هيبة الدولة الوطنية.
وإذا كنا نؤمن بأنه لا إكراه في الدين، وأن دور العلماء هو البلاغ المبين، وأنهم دعاة وهداة وليسوا حكاماً أو قضاة، فإن هذا الأمر يتطلب وضوحاً في العلاقة بين الدعوة والسلطة، علي أن السلطات الموازية التي تحاول بعض الكيانات خلقها قد تكون دينية أو فكرية أو ثقافية، وقد تكون اقتصادية، وقد تكون اجتماعية من خلال أنشطة بعض الجمعيات، أو تحت أي مسمي آخر.
والخلاصة أن أي كيان يشعر بأنه فوق القانون وفوق المحاسبة ويصل الأمر إلي التحسس والتوجس من محاسبته يُعد سلطة موازية تشكل خطراً أو ضغطاً علي دولة القانون وعلي إنفاذه، وأن نطبق العدالة الشاملة علي الجميع وبلا أي استثناءات هو الحل الأمثل لإنقاذ دولة القانون، وهذا سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يقول : " إنما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " (صحيح مسلم).
وهذا سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه) يقول عند توليه الخلافة : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، الضَّعِيفُ فِيكُمُ الْقَوِيُّ عِنْدِي حَتَّي أُزِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمُ الضَّعِيفُ عِنْدِي حَتَّي آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ".
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب يكتب إلي أبي موسي الأشعري رسالته التاريخية في شئون القضاء، فيقول : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لاَ نَفَادَ لَهُ، وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ حَتَّي لاَ يَيَأسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلاَ يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِكَ".
فقد طلب سيدنا عمر بن الخطاب من واليه علي الكوفة أبي موسي الأشعري أن يسوي بين الناس في مجلس القضاء مساواة كاملة، بقوله : " آس بين الناس في مجلسك ووجهك" أي حتي في طريقة إجلاسهم والنظر إليهم، فلا تستقبل واحداً منهم بإكرام والآخر بغير ذلك، أو تنادي أحداً باسمه مجرداً والآخر بلقبه أو كنيته، وذلك حتي لا يطمع القوي في المحاباة أو المجاملة أو ييأس الضعيف من الحق والعدل.
فبالعدالة الشاملة وغير الانتقائية وبإنفاذ القانون علي الجميع وإعلاء دولته، واحترام سيادة القضاء، يكون الأمن النفسي والاستقرار المجتمعي، وقد قال أهل العلم : إن الله (عز وجل) يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً.
وأخطر ما يتعلق بالسلطة الموازية هو تلك الجماعات أو الفصائل المذهبية أو العرقية أو الطائفية التي تحاول أن تستمد قوتها وعوامل نفوذها من دول أخري، علي نحو ما نري من بعض جماعات التشيع التي تستقوي بالنفوذ الفارسي، وتجعل ولاءها الأول والأخير له، تعمل لحسابه من جهة وتستقوي به من جهة أخري، وإنه لعجيب إلي أقصي درجات العجب أن تطبق المملكة العربية السعودية الشقيقة القانون علي أحد مواطنيها، فتنتفض الجماعات الموالية لإيران في كل مكان في تدخل سافر في شئون المملكة، وتصل الحماقات الفارسية الصفوية إلي درجة خرق كل المواثيق والأعراف الدولية في حماية البعثات الدبلوماسية، فماذا لو كان المنفذ فيه حكم الإعدام مواطناً إيرانياً ؟ وهل تدخل أحد بمثل هذا التدخل السافر في تجاوزات إيران وحماقاتها بحق العرب السنة بالأهواز وغيرها ؟ أو أن الأمر إنما هو استعراض إيران لقواها استكمالا للمخططات المشبوهة في إشعال المنطقة لصالح كيانين، هما العدو الصهيوني والإمبراطورية الفارسية المزعومة ؟.