في زيارته التاريخية الثانية للكنيسة الأرثوذكسية مهنئاً المصريين بأعياد الأقباط، اعتذر الرئيس السيسي عن تأخر ترميم بعض الكنائس، وعما حدث لهم في فترة لعب أخوتنا المسيحيين دوراً رائعاً فيها يضرب به المثل في الوطنية والتضحية. بعدها بساعات قليلة ظهر الأستاذ حمدين صباحي في حوار محترم مع وائل الإبراشي، وكان مكمن الاحترام فيما قاله وطرحه حمدين وليس في وائل الذي أختلف جذرياً مع ما يقدمه من إعلام، ولاحظت كغيري ارتباكه في بعض أجزاء الحوار، لاسيما بعد الانقطاع الغريب للبث، والذي فسره كثيرون تفسيرات تآمرية لا يمكن لومهم عليها، لولا أن عاد الحوار ليستكمل حمدين طرحه، والذي كان ناقداً للنظام الحاكم من مقعد الناصح والمندهش، وليس من مقعد الفاجر في خصومته، رغم ما في الأمر من فواتير سيدفعها لدي الدراويش ومتطرفي الآراء من كافة الاتجاهات، وهو ما يجعلنا نسأل بصوت عال : أليس النقد بهذه الطريقة أولي بالحوار بدلاً من اللامبالاة أو ترك المهاجمين يزدادون شراسة، أليس هذا النوع من النقد صالحاً لطرح صوت مختلف تحتاجه مصر بعيداً عن أي تحيزات أو أجندات، لاسيما وأنني شاهد علي طلب الأستاذ حمدين من الرئيس لقاءه، لكنني لم أعرف كغيري ما إذا كان استجاب للقائه أم لا، كما أنني لم أعرف أيضاً سبب اللقاء، مع العلم أن الرئيس السيسي يحترم شخص حمدين صباحي، بل إنه داعبه في أحد المناسبات التي دعاه لها، وحضرها حمدين، مؤكداً أن (ربنا بيحبه) لأنه لم يتولي حكم مصر أو ينجح في مواجهته
صوت صباحي يشبه أصوات عديدة، ستتحول، لو لم تجد صدي، بين يوم وآخر من خانة الناقد، إلي خانة الناقم، وقد عرفنا للأسف من تحول بالفعل إلي مرحلة العدو، ومن فجر في خصومته، ليس فقط لأنه (منفسن) أو (كاره) للنظام، وكثيرون كذلك، لكن لأنه لم يجد من يحتويه أو يتفهم ما يقوله أو يتحاور معه أو يكف عن التضييق عليه في رزقه، لنفاجأ بأن أول حضن فتح لهم هو حضن الإخوان الحاليين أو السابقين، الظاهرين او المستترين، مكشوفي الوجه أو المتخفين في صورة أنظمة ودول وكيانات أخري تقف في حالة معارضة حادة، تصل لدرجة التشويه والعداء والكراهية، للنظام الحاكم في مصر.
مطلع نفس الأسبوع كان المقال الأبرز للإعلامي اللامع يسري فودة في الزميلة الشروق، حول حوار سابق جري بينه وبين الرئيس السيسي طلب منه فيه الاعتذار عما جري أيام المجلس العسكري، وعلي ما يبدو أن الأمر الذي وصل للبعض هو أن الرئيس، وكان وزيراً للدفاع وقتها، ربما يكون قد غضب من هذا الطرح، لكن الأمانة تقتضي أن أذكر واقعة لم ترو من قبل، وكنت أحد حاضريها، ففي أحد الاجتماعات، وكان الرجل قد أصبح رئيساً للجمهورية، وكنت أحد الحاضرين، تحدث زميل، لم أستأذنه في ذكر اسمه، وقال نصاً : أنه يطلب من الرئيس الاعتذار عن وقائع دارت خلال العامين الماضيين (يقصد فترة ما بعد 30 يونيو)، ووقتها توقعنا سخونة، أو غضباً في الحوار، أو إنهاء له، خاصة وأن الاجتماع كان لأسباب أخري، لكن السيسي كان واضحاً، وحكي بعض الوقائع والمعلومات، ثم ابتسم وقال لزميلنا: أعدك أن أفكر فيما قلته.
ثقافة الاعتذار نفسها، وحضورها بقوة لدي مؤسسة سيادية كمؤسسة الرئاسة، أصبحت ملمحاً إيجابياً، وهدوء الرجل وتقبله لكل هذا الطرح مقارنة بكل من سبقه يجعل في الأمر أملاً في شكل مختلف للحكم نري أنه لم يتحقق وفق عظيم توقعاتنا، لكنه آت، ولن يكون بين يوم وليلة. أما ثقافة الحوار فمرحلة يجب أن تأتي الآن الآن، وليس في أي وقت آخر، وأظن، وليس كل الظن إثم، أن الرئيس نفسه يفكر في ذلك