هذا الكتاب جهد كاتب وباحث مثابر دقيق له أنف صحفى متمرس والتقط من الوثائق الأمريكية ذاتها والأوروبية ما يقطع بوجود مؤامرة كبرى.. هذا ان بقى ساذج أو مغرض ينفى ما يسمى بنظرية المؤامرة لتحقيق مصالحهم العليا ولو على أشلاء بلاد الغير..

عرفت عن كثب قدر امكانيات أستاذ عاطف الغمرى من الوجهة المهنية والنزاهة الشخصية، عندما تزاملنا فى واشنطون وهو مدير لمكتب الاهرام فى العاصمة الامريكية وكنت أمثل بالمقابل دار أخبار اليوم.. ولو كان عاطف الغمرى شخصية مقتحمة ممن يفرضون أنفسهم على الساحة أو ضمن شلة من التى تسوق بعضها بعضا لنالت كتبه القيمة انتشارا أوسع، بالخصوص أحدث كتبه هذا الذى صدر بينما العالم العربى يمر بهذه المحنة نعيشها جميعنا بنحو أو آخر..

إليكم نبذة ــ مجرد نبذة ــ من مضمون وافر من الاحداث فى ذات السياق من كتاب « المؤامرة الكبرى». مطبوعات كتاب الجمهورية.
عقب انتهاء الحرب الباردة عام 1989 بانهيارالاتحاد السوفيتى، بدأت بوادر احداث جعلت خبراء أمريكيين يقررون بأن فراغا قد طرأ على الفكر السياسى الأمريكى وتبدى اما فىى تأثيرات أحداث غير متوقعة أو بفقدان السيطرة عليها.. ومن هنا ومع بداية التسعينيات اتجه الفكر الاستراتيجى للولايات المتحدة حماية لمصالحهم الحيوية الى ما عرف بمصطلح «المواجهة من الداخل».. ومنها تقسيم هذه المنطقة وتفتيتها مجتمعيا، باعتبار ذلك أحد الاهداف الاستراتيجية التى تضمن الابقاء على زمام الامور بين الأيدى الامريكية، وكذلك خدمة للاهداف الاسرائيلية..
الوثيقة التى تحمل عنوان « استراتيجية اسرائيل للثمانينيات» وهى وثيقة رسمية يجىء فيها بالنص: «الأمة العربية قوقعة هشة تنتظر من يكسرها ويفتتها شظايا..»
ثم إن ادوارد سنودون بين الوثائق التى سربها ما يكشف عن مشاركة المخابرات الأمريكية والاسرائيلية معا فى خلق الظروف التى تهيئ الوجود لتنظيم داعش.. فقد وجدا أن حماية دولة اسرائيل يتطلب خلق عدو يكون قريبا من حدودها ولا يخرج عن نطاق السيطرة...
انما ما عرف بالتجربة عن مثل تلك التنظيمات أنها عندما تستشعر قوة مقدراتها تقدم على استباحة أى شىء.. وغالبا ما تتمرد على صانعيها وهو ما سبق وحدث مع تنظيم القاعدة بعد هزيمة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان.
لابد من التوقف عند من يدعى ــ مايكل لادين ــ العضو البارز بمعهد انتربرايز للبحوث السياسية والذى يوصف بأهم منظرى استراتيجية الأمن القومى الامريكى فى عهد جورج بوش الابن، عندما كان أركان الحكم فى البيت الأبيض والبنتاجون يتخذون من لادين مصدر إلهام لدى اصدار القرارات السياسية الكبرى خصوصا للشرق الأوسط..
انما تأثير لادين لم ينقطع فى عهد أوباما بعدما أقر كثير من الخبراء الامريكيين بأنه أى أوباما تبنى عددا من أفكار وسياسات سلفه بوش، بالخصوص ما يتعلق بجماعات الارهاب والمحافظة على استمرارية العلاقات مع بعض تلك التنظيمات وبالتحديد: جماعة الاخوان المسلمين...

بالعودة الى لا دين كأحد أبرز مجموعة الصقور ( المحافظين الجدد) بمؤلفاته التى تكشف صراحة عن نقطة البدء فى سلسلة السياسات الهجومية على الدول العربية.. منها ذلك المقال الذى كتبه بعنوان ــ التدمير الخلاق ــ وكلمة تدمير كانت التعبير فى البدء كأسلوب للهدم من الداخل ثم اعادة تشكيل المجتمعات العربية بالصورة التى تخدم المصالح العليا للولايات المتحدة واسرائيل.. لكن تم تعديل كلمة تدمير لدلالاتها الصريحة، وقام لادين بتغييرها الى كلمة ـــ الفوضى ــ الخلاقة، ونسبت بالخطأ الى كوندوليزا رايس التى ما كانت سوى ــ المروجة ــ فحسب كوزيرة الخارجية.
المثير للاهتمام نظريتان وامتدتا الى الدول العربية هما: نظرية نهاية عصر الدولة القومية.. ثم أعقبها نظرية تصف «أطرافا ليست بدول انما لها دورها المؤثر فى العلاقات الدولية» .. من هنا جاء الترويج لفكرة نهاية عصر الدولة القومية، مصحوبا بانكشاف سياسات متواجدة فعليا لتفتيت المجتمعات داخل حدود الدولة الواحدة، وما يترتب من تقسيم المجتمعات الى طوائف متناحرة وتجزئة لكيانات تاريخية باحالتها لكيانات صغيرة ضعيفة.

حين نطق الارهابيون فى سيناء بنوايا اقامة ولاية اسلامية هدفا ينتزعونه من الدولة المصرية، فما نطقوا به جاء كما لو أنه الصدى لما هو مسجل فى وثائق استراتيجية رسمية لدولة اسرائيل.. وفكرة تقسيم أو فصل أجزاء لاقامة ولاية أو ولايات منفصلة ليست بفكرة مقصورة على مصر فى الفكر الاستراتيجى الاسرائيلى.
سكوت بنيت ضابط سابق بالعمليات الخاصة وخبير الحرب النفسية فى قضايا الارهاب، أصدر بيانا عن تمويل الولايات المتحدة لمنظمات ارهابية فى الفترة التى عمل خلالها تحت ادارة بوش من 2003 الى 2008 كان جرس انذار دق عاليا، رغم اسراع الأجهزة الأمريكية لاخماده.. لكن ما تبين من خطر الوثائق التى فى حوزة الضابط السابق وتفضح العلاقة مع المنظمات الارهابية كجزء من المخطط الكبير للسيطرة على الشرق الأوسط، جعل الضابط السابق بدوره يدرك بأنه مستهدف وعرضة للاغتيال.. لذا اسرع بنشر تحذير من موقعه على النت يعلن فيه بالنص: «أنه فى حالة وفاتى غير المعروف توقيتها سيتم على الفور نشر المزيد من الوثائق والمواد الكاشفة عن أدوار جميع الأشخاص ممن لم يسبق تحديد هوياتهم كذلك الشبكات والعمليات والحسابات المالية المتعلقة بأوجه النشاط الارهابى.. الخ..»
وهذه وثيقة للمخابرات الأمريكية تتحدث عن داعش بتاريخ يسبق ظهورها على المسرح العالمى بل تحدد الذين يقودون التمرد فى سوريا من المنظمات : الاخوان المسلمون. جماعات سلفية. تنظيم القاعدة فى بلاد العراق ( الذى تحول لداعش ).

من ناحية أخرى تقارير مركز جلوبال ريسيرش: متمردو داعش والقاعدة فى سوريا هم صنيعة دعم أمريكى وكل من داعش والنصرة التابعة للقاعدة يسيطر عليهما توجه طائفى، ومعهما جماعات تكفيرية متطرفة، وما من فارق بين فكرهم جميعا رغم اختلاف المسميات التنظيمية لهم مبادئ مشتركة أهمها:
القضاء على الجيش الوطنى القائم فى الدولة المستهدفة. نشر الفوضى وتغيير الهوية الثقافية والتاريخية لما يعرف بالوطن، وتقسيم ما هو دولة الى دويلات أو ولايات... أليس عجيبا أن يكون هذا بذاته وعباراته يماثل الفكر السياسى الأمريكى والاستراتيجية الاسرائيلية معا ؟!