تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إلى منبرِ يعتليه كل من «هبَ ودبَ»؛ ليبث فيها أفكاره من خلال تغريدة على «تويتر» أو منشور على «فيسبوك»، يؤكد أو ينفي معلومة هو بالأصل لا يعرف عن موضوعها شيئًا.

في الوقت الذي أصبح فيه تداول المعلومات حق مكفول لشعوب العالم، يصطدم هذا الحق في مصر بعدم مراعاة حسن استخدامه، الأمر الذي يهدد مستقبل «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهم من مواقع التواصل.

◄ «فيسبوك».. منصة الأفكار الضالة

بعد ثورة يناير 2011، تصدر عدد من الشباب وأرباب الفتن الساحة الجماهيرية، وتحولت حساباتهم الخاصة على «فيسبوك» إلى منصة ينشرون من خلالها أفكارًا ضالة، يستخدمون فيها أقبح الألفاظ، ومع تزايد عدد (الفولورز) المتابعين لهم، تزداد شهوتهم في الشهرة بشكل أكبر، فينشرون أكثر وأكثر، وأصبح التباهي بينهم بعدد المشاركات والتعليقات والإعجابات التي تحصل عليها منشوراتهم، دون النظر – بالمرة – إلى محتوى ومضمون هذا المنشور، إن كان هجومًا ضالًا على شخوص بعينها، أو معلومة مغلوطة تفتقر إلى المصداقية.

لم يقف الأمر عند المستخدمين العاديين لمواقع التواصل الاجتماعي، بل امتد ليشمل كل من هو عنصرًا فاعلًا في مجاله؛ بين إعلامي أو مسئول حكومي أو معارض قوي أو ناشط سياسي! وبالطبع، كل ما «يفتي» به هؤلاء هو بمثابة «تقرير حقيقة» و«تصريح هام» لا يجوز مخالفته تحت شعار «لا تجادل أو تناقش».. وكأننا ننتظر الحلول القانونية من الإعلاميين! أو القيام بدور الأحزاب السياسية من خلال من يسمون أنفسهم بـ«نشطاء سياسيين» .. وما أكثرهم!

◄ هل حظر النشر «عيب» !!

نعم في مصر حظر النشر «عيب»؛ لأنه لم يحقق المراد، لم يمكن مستخدم «فيسبوك» من تسفيه دور النيابة العامة أو القضاء في قيامهم بواجبهم نحو استيقاء معلومة صحيحة تنتظرها عدالة السماء..
نعم حظر النشر «عيب»؛ لأنه تجاوز على حرية مستخدم «فيسبوك»، وأضاع حقه في الاستهزاء بشخوصِ وموضوعات لا يعرف عنها نبت تفصيلة واحدة..
نعم حظر النشر «عيب»؛ لأنه يضر بمصلحة مُدّعي الحرية!

هل سألت أيها القارئ كم جدال خُضت بسبب ما نشرته على «فيسبوك» لم يعجب أفراد أسرتك؟ هل سألت عن كم الأصدقاء الذين خسرتهم بسبب تعليق على صورة؟ هل سألت كم شخصًا في حياتك ضمن قائمتك المحظورة على «فيسبوك»؟

هل قائمة أصدقائك ومنشوراتك على «فيسبوك» أكثر أهمية من محددات الأمن القومي؟

◄ «الإفراط» في استخدام سلطة حظر النشر .. «تحديد الإشكالية»

القانون المصري أوجب علانية المحاكمات، وأعطى للقاضي سلطة إضفاء السرية – وفق تقديره – على بعض أو كل ما يثار أمامه من تحقيقات؛ استنادًا إلى المساس بالمصالح العليا للدولة كتداول معلومات سياسية أو عسكرية، أو المساس بمصلحة المجتمع؛ كحماية الجمهور من أي تأثير سلبي يحدث من جراء نشر تفاصيل الواقعة أو حماية للمتهم ذاته.

تكمن إشكالية التوسع في إصدار قرارات حظر النشر لما يتم تداوله عبر منابر «فيسبوك» والتي أصبحت – من بعد 2011 – «منصات» يستقي منها الرأي العام المعلومات، ويتبنى - عبر مشاركته المنشورات - وجهات نظر أصحابها؛ فتصبح مؤسسات الدولة تحت حصار «السوشيال ميديا».. فلا تتمكن النيابة من أداء دورها الكامل نحو التحقيق في قضية أمامها كون اسم المتهم أصبح «هاشتاج» على «فيسبوك»! أو تداوله أكثر من مليوني مستخدم على «تويتر»!

نعم؛ الحرية «حق»، لكن المسئولية «واجب».. فحق المجتمع أن «يعرف»، والأهم؛ من حق القاضي أن «يحكم»، دون تأثير على مجريات التحقيق أو إجراءات المحاكمة أو مراكز الخصوم أو الشهود؛ فقد يؤدى النشر إلى خروج المحقق عن حياده وتجرده؛ فيتخذ موقف من المتهم بسبب التضخيم من جسامة الجريمة، أو يؤدي النشر إلى تحريك الرأي العام تجاه التخفيف والتهوين من وقع الجريمة وخلق مبررات لها لدى الجاني تضر بحق المجتمع.. وذلك هو واجب أفراده.

◄ «حديث الرئيس» .. رسالة لم يفهمها النواب

فشل نواب البرلمان في ترجمة حديث الرئيس السيسي - خلال لقائه الأخير بممثلي فئات الشعب إبريل الماضي، حول تداول المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتشديد على عدم اعتمادهم لتلك المعلومات.

شرع كل نائب بعدها يطالب عبر القنوات الإعلامية بضرورة تقنين «فيسبوك»؛ منهم من شدد على غلقه، وآخرون طالبوا بتفعيل بطاقة الرقم القومي في استخدامه، إضافة إلى الهجوم الحاد الذي شنه إعلاميون وسياسيون وأصحاب رأي على رواده.

لم تكن تلك هي رسالة «السيسي»؛ فهو يعي محددات الإشكالية جيدًا، وهي أن ثقافة استخدام مواقع التواصل ترتكز حاليًا بشكل كبير على خطر إرهابي غير تقليدي يستغل التقنيات الحديثة ويسيء استخدام «الانترنت» بغرض التحريض ونشر الفكر المتطرف – وهو ما أكده خلال كلمته بالقمة العربية في مارس 2015.

تقضي رسالة الرئيس – التي أشار إليها خلال لقائه بممثلي فئات الشعب - بفتح حوار دائم مع الشباب (48 مليون مستخدم لموقع «فيسبوك»)، عبر مختلف القنوات؛ كالمدارس والجامعات ومراكز الشباب وغيرها، وليس بتشريع قانون بتجريم «فيسبوك» في مصر.

«خاتمة»

رواد «فيسبوك» يفتقدون الطريقة القويمة في استخدامه، ولا يدركون العواقب.. يفتقرون إلى وسيلة الاعتراض والانتقاد.. ينقصهم الإدلاء برأيهم في الساحات أمام أعين الجميع، وفق ضوابط العلم والاحترام والأخلاق وتعاليم الدين السمحة.. لا يمانعون صُنع رأي عام قائم على معلومات صحيحة منسوبة لمصادرها الرسمية..

هم يريدون ذلك، قبل أن تُقطع «الشعرة البسيطة»، ويتحول محتوى منشوراتهم من معلومات مغلوطة إلى أفكار تحريضية ومتطرفة.. ويخسر الوطن!