عاودتنى الأشواق ومشاعر الحنين للذكريات الحلوة الجميلة لزيارة كل من مدينتى أسوان والأقصر درتى صعيد مصر الذى عانى من النسيان والإهمال على مدى سنوات وسنوات. لم يشفع لهذه البقعة الغالية من أرض مصر الثراء إلى درجة التخمة بكل ما يشير إلى عظمة وحضارة مصر الفرعونية مما يعد كنزا خالدا للتراث الإسلانى. كانت غايتى القيام بالرحلة الحالمة على صفحات النيل بعدغياب استمر ١٥ عاما عن آخر رحلة قمت بها.
الحقيقة التى عايشتها.. هذه المرة هو أن الرحلة مازالت تحتفظ بجمالها وسحرها رغم وجود ما يعكر على السياح والزوار الاستمتاع. راعتنى الأحوال المعيشية لأبناء البلدين الطيبين نتيجة الانحسار السياحى الذى خيمت أوجاعه على كل جوانب الحياة.
ان وجود آثار الحضارة الفرعونية فى كل من أسوان والأقصر كان عنصرا جاذبا لمئات الآلاف بل ملايين السياح الذين كانوا يحدثون رواجا اقتصاديا يوفر الرزق للملايين من البشر. لقد أصاب كل من الأقصر وأسوان ما تعرضت له مقاصدنا السياحية من إنحسار سياحى نتيجة الإنفلات الأمنى الذى صاحب ثورة ٢٥ يناير. كما هو معروف فإن الأقصر وأسوان كانتا تستقبلان السياحة الثقافية التى تعد أرقى وأغنى كل النوعيات السياحية لارتفاع معدلات انفاقها. حدث هذا رغم الجهود التى تبذل من أجل عودتها لما تمثله من انعكاسات اجتماعية.
> > >
هالنى وأنا أرى كل هذا الجمال الرائع من حولى خلال رحلتى النيلية التى كانت تتوقف للقيام بزيارة المواقع الأثرية ان المنطقة مازالت تعيش نفس المشاكل التى كانت تعيشها منذ عقود مضت. زاد من هذه المشاكل ارتفاع عدد الفنادق العائمة العاملة من أقل من عشرة فنادق إلى ما يقرب من ٣٠٠ فندق عائم حاليا بلغت تكلفتها عشرات المليارات من الجنيهات. انها تتمثل فى قصور تجهيز المراسى لاستقبال هذه الفنادق لتأمين ركابها والحفاظ على راحتهم بدون حل حاسم حتى الآن.
ان الحكومات المصرية مازالت ملتزمة بالمثل الذى يقول «لا ترحم ولا تخلى رحمة ربنا تنزل» . انها وللأسف لا تقوم بما هو مطلوب منها ولا تسمح لأحد بأن يقوم بأى خطوة بناءة لإزالة ما تعانى منه هذه الفنادق العائمة وركابها. من بين ما سمعت وشاهدت على الطبيعة أمثلة ميدانية تعبر عن سياسات الجزر المنعزلة التى تعيشها الوزارات وأجهزة الحكومة فيما يتعلق بمشروعات ومتطلبات الرحلات النيلية.
ان كل وزارة أو جهاز حكومى يتصرف وكأنه يعيش فى وسية لا ضابط له ولا رابط سوى التعقيد ووقف الأعمال سواء كان ذلك تلبية لنزعة البيروقراطية المسيطرة على أدائه أو لتعظيم سطوة الفساد ودفع قيمة المعلوم لتسيير الأمور. ان ما يثير الحزن والأسى ان يترتب على هذا السلوك ما يشبه الحرب بين هذه الأجهزة إلى الدرجة التى تؤدى إلى تعطيل المصلحة العامة.
> > >
من بين المظاهر الكوميدية المأساوية فى هذا المسلسل ان صاحب أحدالمراسى الخاصة المرخصة فى أسوان استجاب مشكورا لطلب من أجهزة الداخلية لإقامة مقر لرجال الشرطة المعينين لتأمين الموقع والسياح. بعد عدة شهور فوجئ بحملة تابعة لوزارة الرى تشن هجوما على المرسى تستهدف إزالة مقر الشرطة بحجة انه اعتداء على حرم النيل رغم ان المنطقة المقام عليها جبلية وملكية خاصة ومسجلة. جرى نقاش غريب بين ضابط نقطة المرسى وبين زميله الضابط المرافق لحملة الإزالة انتهت بالاستسلام لهدم المبنى. هذا الأمر الذى يعكس عدم التنسيق والتفاهم. حتى بين الأجهزة الحكومية بعضها البعض!!
ما حدث يدل على سوء الفهم والتقدير للفرق بين ما هو مخالف وما هو يحقق الصالح العام.
هذا الذى حدث يضيف بعدا جديدا إلى الحال المبكى الذى تعيشه الأقصر وأسوان.