لابد أن يكون راسخا في الأذهان انه ليس للسودان من سند أو نصير سوي مصر وأنه ومهما كانت المتغيرات السياسية الطارئة فإنه لا غني لمصر عن السودان ولا غني للسودان عن مصر. هذه العلاقة تعتمد علي الأخوة والمصاهرة والمصير الواحد الممتد لسنوات وسنوات. زاد من هذه الروابط بأن يجمع بينهما نهر النيل الذي يعد شريان الحياة لهما كدولتين عربيتين.
وفقا لهذه الحقيقة فإنه لا أحد يمكن أن يصدق أن يتخذ السودان موقفا في مفاوضات سد النهضة يناهض حقوق مصر التاريخية التي وصفها الرئيس السيسي بأنها قضية حياة أو موت.. لا العلاقة التاريخية ولا الأخوة تقبل أن يكون للسودان موقف يلحق الضرر بمصر وشعبها. ليس معني هذا.. معاداة إثيوبيا دولة المصب الصديقة ولكن ما هو مطلوب هو مراعاة المصالح المشتركة لكل أطراف دول حوض النيل دون افتئات أحد علي الآخر.
في هذا الشأن فإنه لا بديل لمصر والسودان سوي التلاقي مع دولة إثيوبيا بالتفاهم والتنسيق حول كل ما يحقق مصالحهم المشتركة دون أنانية. ايضا فإنه لا يخفي علي أحد الأهمية القصوي لمياه النيل في استمرار الحياة علي الأرض المصرية. هذا يعود إلي انها تعيش علي هذه المياه وليس لها مورد آخر بعكس كل من إثيوبيا والسودان حيث إن الأمطار تعد مصدرا رئيسيا اضافيا للمياه. في هذا الأمر ووفقا للأبحاث والدراسات فإن حجم المياه التي تسقط علي الهضبة الاثيوبية يصل إلي ٢٢٠ مليار متر مكعب نحصل منها فقط علي ٥٥ مليار متر . علي هذا الأساس فإن إثيوبيا يمكن أن تحصل علي كفايتها من هذه المياه وبالتالي فإنه ليس من أسباب تجعلها تطمع في حجب انسياب المياه إلي مصر حيث إن ذلك يمكن أن يمثل كارثة بالنسبة لها مستقبلا.
لا أحد يعترض أن تسعي اثيوبيا الي إقامة سد النهضة للاستفادة من تدفق هذه المياه في توليد الكهرباء التي تحتاجها للتنمية.. ان اعتراض مصر والذي من أجله تجري المفاوضات الثلاثية بمشاركة إثيوبيا والسودان يتعلق بالنواحي الفنية في انشاءات السد. ان هدفها تجنب أي تأثير سلبي علي حصة مصر التي تضمنها اتفاقيات تساندها المواثيق الدولية التي تنظم الحقوق في المجاري المائية العابرة للحدود. هذا هو جوهر الموقف المصري في المفاوضات التي تحرص مصر ان تنتهي في إطار من الأخوة والعلاقات التاريخية بين دول حوض النيل.
من ناحية أخري فإنه لا يمكن الاعتقاد بأن العلاقات بين إثيوبيا والسودان سمن علي عسل وإنما هناك خلافات في كثير من الأمور. جانب من هذه الخلافات يتعلق فيما أثير أخيرا حول استيلاء إثيوبيا علي ثلاثة ملايين فدان من أراضي السودان في منطقة الحدود المشتركة. هذا الذي أقوله جاء علي لسان النائب في البرلمان السوداني مبارك النور الذي اتهم إثيوبيا بالاستيلاء علي مليوني فدان في منطقة «الفشقة» مضيفا أن جماعات إثيوبية أخري استولت علي مليون فدان آخر. أشار إلي أن العصابات الاثيوبية قامت بقتل وخطف ما يقرب من ٤٥ سودانيا وطالب الحكومة السودانية بسرعة التدخل لحماية السودانيين وأراضيهم من هذا العدوان.
هذا الذي يحدث وغيره تنبهت إليه مصر وهو ما جعلها تسعي إلي تنقية العلاقات بين دول حوض النيل بعضها البعض وضرورة أن يكون التعاون محوره المصلحة المشتركة. كان هذا دافعا للقاهرة للقيام باتصالات وجهود واسعة من أجل تحقيق هذا الهدف. من المؤكد وبعد ان تتحقق الانفراجة المطلوبة في مفاوضات سد النهضة ان تنعكس نتائجها ايجابيا علي تسوية ما يشوب العلاقات بين دول حوض النيل. ان مصر أكدت وتؤكد في كل المناسبات انه وانطلاقا من مكانتها الحضارية وموقعها التاريخي حريصة كل الحرص علي حقوق الجميع. ليس أدل علي هذه الحقيقة من الدور الذي قامت به في الستينيات في دعم وتأييد كل الحركات التحررية بالقارة الافريقية التي تنتمي إليها هذه الدول حتي تحررت من الاستعمار. إنها تعمل في نفس الوقت بكل السبل لأن تكون منطقة حوض النيل تجمعاً تنموياً يعمل لصالح تقدم وازدهار شعوب دولها.