تقول المقولة الهيكلية أن رئيس مصر مسئول شخصياً عن أمرين من أمور الوطن العليا. أولهما: علاقة المسلمين والمسيحيين في مصر. والثاني: مياه النيل

مقولة للأستاذ محمد حسنين هيكل سمعتها منه كثيراً تشكل واحدة من ثوابت موقفه تجاه مصر. ربما منذ زمن عبد الناصر العظيم وحتي حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. مروراً بكل التطورات والتغيرات والانقلابات التي حدثت في مصر عبر النصف قرن الأخير.
لست وحدي الذي استمع أو قرأ هذه المقولة. ولكن قرأها القراء وسمعها المشاهدون منه أكثر من مرة. تقول المقولة الهيكلية أن رئيس مصر مسئول شخصياً عن أمرين من أمور الوطن العليا. أولهما: علاقة المسلمين والمسيحيين في مصر. والثاني: مياه النيل.
عن الأمر الثاني أقول أنني سعدت بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكاتدرائية بالعباسية ومشاركته الإخوة رفقاء الوطن والدرب والمصير. شركاء الماضي والحاضر والمستقبل. لم تكن المرة الأولي التي يذهب فيها الرئيس إلي الكاتدرائية. ذهب في العام الماضي، وسعدنا وكتبنا وقلنا أنها مرة استثنائية.
أعترف أنني لم أتوقع أن تصبح عادة. وأن يكرر الرئيس ذهابه إلي الكاتدرائية. بل وأن يلقي كلمة ارتجلها وفق اللحظة. وكاستجابة فورية للموقف. تحدث فيها عن وحدة المصير. بل وأضاف للعبارة الشهيرة التي ستدخل التاريخ باعتبار أنه صاحبها. أضاف لعبارة: تحيا مصر، عبارة أخري تحيا مصر بأهل مصر. بل إن الجماهير عندما قالت له أن مصر ستحيا بالسيسي، قال لهم: لا، ستحيا بكم أنتم بأهل هذا الوطن.
أعرف أن تفاصيل الزيارة والكلمة نشرت في الصحافة اليومية في اليوم التالي. ولذلك لن ألخص ما جري. لكن فقط أعلق عليه وأحاول استقراء ما وراء الأسطر وما يكمن تحت الأسطح من أعماق.
ولأن الرجل يدرك هموم الوطن ويعيش بالقرب منها. إن لم يكن في قلبها. فقد تحدث عن ترميم الكنائس التي تم تدميرها وحرقها مؤخراً، وقال أن هذا الأمر تأخر، ووعد بأنه سيتم خلال هذا العام، بل واعتذر باسم مصر عن هذا التأخير. مع أن الرؤساء عادة لا يعتذرون، وإن اعتذروا لا يعتذرون علناً وعلي رؤوس الأشهاد.
قال إن الكلام عن ترميم الكنائس ودور العبادة المسيحية التي تم تدميرها ليس تفضلاً من أحد عليهم. بل إنه حق من حقوق أشقائنا علينا. وأن مصر لن تنسي للإخوة المسيحيين الموقف الوطني المشرف العظيم الذي اتخذه المسيحيون في الفترة الأخيرة. لم يذهب الرئيس لتقديم التهنئة فقط. بل ليذكرنا جميعاً بوحدتنا وضرورة أن نتحد. وأن نتكاتف. وأن نبقي معاً بأي شكل من الأشكال.
المعني الذي دارت حوله كلمة الرئيس السيسي من أن مصر علمت الدنيا الحضارة. وما زالت تعلمها. وستظل تعلمها. ربما كان أهم من قدمه لنا من قبل هو جيمس هنري بريستد في كتابه الرائع: فجر الضمير. وهو الكتاب الذي قرأناه مترجماً قبل سنوات. وأحسنت مكتبة الأسرة صنعاً عندما أعادت طباعته مؤخراً وعرضته في الأسواق بسعر لا يكاد يذكر.
بريستد ليس وحده الذي توقف أمام مصر التي اخترعت الضمير وأهدته للبشرية منذ فجر التاريخ. بل منذ البدايات الأولي للتاريخ الإنساني يوجد غيره كثيرون ممن حدثت لهم حالة من العشق غير العادي لمصر الذي ربما تفوق علي حبنا لهذا الوطن أكثر من مرة. لكننا اعتبرنا أن ما يقوله هؤلاء المستشرقون نحن نعرفه ونعيشه ولم نتوقف أمامه بالقدر الكافي. بل لم نحاول أن نقدمه للأجيال الجديدة.
أشار الرئيس خلال كلمته إلي أنه التقي مؤخراً أحد المفكرين وتحدث معه عن كتاب أو كتب تتحدث عن طبيعة المصريين وعن التنوع والاختلاف وقبول الآخر. وبعد انتهاء الخطاب لم يتوقف الأخوة الصحفيون الشباب وفي المقدمة منهم الزميل أحمد منصور، الصحفي بموقع وجريدة اليوم السابع من أن يسألونني عن هذا المفكر الذي التقاه الرئيس وتحدث معه عن مثل هذا الكتاب الذي أتصور أن يكون مجموعة كاملة من الكتب. وكأنني أعرف من هو هذا المفكر؟.
ولأن الله شفاني من أن أتصرف كما لو كنت مطلعاً علي طبيعة الأمور. وأعرف خفايا كل ما يجري في الدنيا. فقد اعتذرت لهم كثيراً ولم أحب أن أجري وراء التخمينات. لكن تبقي الفكرة التي طلبها الرئيس من المفكر الذي لا نعرفه تبقي هماً أساسياً يجب أن نشغل أنفسنا به.
ربما كان مطلوباً أن نطور الأمر بالتوقف أمام ما أصاب الشخصية المصرية من تغييرات كثيرة في السنوات الأخيرة ليس بهدف العلاج لأنه قد يكون نهاية المطاف. لكن علينا أن نضع أيدينا علي ما جري لنا مؤخراً وأعتقد أن تشخيص الأزمة ربما كان نصف الطريق إلي العلاج. المهم أن نعرف ماذا جري لنا؟ ومجرد المعرفة ستشير إلي طريق العلاج.