في نفس اليوم الذي اكتملت فيه المؤسسات الدستورية المصرية بانعقاد مجلس النواب يوم الاحد الماضي، والانتهاء من خارطة الطريق التي اعلنها والتزم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم افتتاح صرح كبير علي ارض مدينة اسوان علي ربوة مرتفعة تطل علي المدينة وملاصقة لخزان اسوان وهو متحف النيل. لينضم بذلك إلي الاعمال المائية الكبيرة الواقعة في مدينة اسوان والتي لها تاريخ مع شهر يناير، فوضع حجر اساس السد العالي تم في يناير عام 1960، وافتتاحه تم في يناير عام 1970.
قام بالافتتاح المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء بحضور عدد كبير من الوزراء وسفراء دول حوض النيل العشر وعدد كبير من الشخصيات العامة والمعنية بالشأن المائي والثقافي في مصر، كما حرص علي المشاركة وزير المياه السوداني معتز موسي الذي أجل مهام خاصة به في الخرطوم وأصر علي المشاركة في مراسم الافتتاح، كما شاركت وزيرة الثقافة من دولة جنوب السودان وممثل لوزير السياحة الأوغندية.
متحف النيل بدأ العمل فيه منذ عام 2004 تحت اسم متحف السد العالي وخزان اسوان، واستمرت اعماله الانشائية قرابة العشرة اعوام متصلة حتي يوليو 2014 ليبدأ بعد تولينا الوزارة اعمال التجهيزات والعرض المتحفي والمكشوف تنتهي في 14 شهرا، بعد ان اصبحت المدد الزمنية للمشروعات يتم تحديدها والالتزام بإنهائها في شهور بدلا من سنوات. وهو مصم علي طراز مصري خالص مستوحي من المعابد الفرعونية القديمة لكن نقوشه وتشطيباته اعتمدت علي التراث الافريقي والنوبي بالاستخدام الواسع للون الازرق، مع اهتمام باللون الاحمر الذي يرمز للجنس الحامي والازرق الذي يشير إلي لون النيل. والبهو الرئيسي للمتحف تزينه اشجار النخيل في رمزية للخير والنماء، وإشارة إلي مصر كواحة للأمان تظللها اشجار النخيل.
وفي ظل توجه مصر لتوثيق العلاقة مع دول الحوض تم تغيير اسم المتحف ليصبح في عام 2014 «متحف النيل» ليعطي بعدا رمزيا للاهتمام المصري الواسع بنهر النيل من مبدئه إلي مصبه، وهو بمثابة منارة ثقافية يستهدف شعاعها الوصول إلي اقصي نقطة في منابع النيل سواء الاثيوبية او الاستوائية، وهو بذلك يستكمل الاهتمام المصري بالدوائر الاستراتيجية المعروفة التي تحيط به وهي الدائرة الاسلامية والعربية والافريقة. والدائرة الأخيرة يأتي بالطبع في مركزها دول حوض النيل.
رسالة المتحف تم تلخيصها في الشعار الذي يحمله وهو نيل واحد حضارة واحدة، في اشارة للقاعدة العريضة التي تجمع كل دول الحوض والتي تربط بين ثقافاتها المتنوعة ولغاتها المختلفة، لأنها جميعا قامت علي مياه النهر سواء في شكل امطار او في شكل مياه سطحية تجري بين ضفتي النيل، لذلك فإن القاعدة الحضارية واحدة ومنبعها واحد وجذورها متشابهة مهما اختلفت وتنوعت مخرجاتها.
أعقب الافتتاح حفل بسيط شاركت فيه فرق شعبية وعربية من اسوان والقاهرة عرضت التراث الغنائي المصري المرتبط بالنيل لتشيع جوا من البهجة التي اشتهر بها اهل اسوان، كما شاركت فرقة غنائية سودانية في الحفل لتضفي مزيدا من التأكيد علي علاقة الاخوة والترابط بين الدولتين. وقد استمتع الحضور بصوت الطفلة الموهوبة ندي شريف التي تطوعت للمشاركة في الحفل بأغنيات تراثية أثارت شجون الحضور، والتي تتمتع بصوت كلثومي متميز ووجه ملائكي لم يحجب جماله اعاقتها البصرية. كما كان لافتا رعاية الحفل من رجال اعمال اثبتوا بشكل واضح دعمهم للانشطة القومية والوطنية.
والمتحف يضم اكثر من 1200 قطعة ولوحة فنية تؤرخ للنيل وتاريخ الري في مصر بدءا من العصر الفرعوني الذي شهد الاهتمام بحابي إله النيل، مرورا علي تجسيد اسطورة عروس النيل، وعهد محمد علي باشا وخلفائه، وانتهاء بالمشروعات الكبري الجاري تنفيذها مثل قناطر اسيوط ومشروع المليون ونصف فدان. وهو يضم ايضا 600 قطعة مجسمة ترمز لكل مايتعلق بالمياه سواء في مصر او في دول الحوض. كما تم الاستعانة بأحدث اساليب العرض التكنولوجية.
والمتحف يضم ركنا مخصصا لكل دولة من دول الحوض. وقد تم استكمال وضع مقتنيات بعض الدول في الاركان المخصصة لهم وجاري استكمال مقتنيات باقي الدول. وإيمانا من الوزارة بالدور التوعوي لها وحق المواطنين في مشاهدة محتويات المتحف تقرر ان يفتح المتحف ابوابه مجانا للزائرين لمدة اسبوع كامل احتفالا بالافتتاح وتزامنا مع العيد القومي لمحافظة اسوان.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.