قنوات الاتصال بين الدولة والشباب ليست علي مايرام.. بعضها ليس علي نفس الموجة، وبعضها مصاب بجلطات

ليس كل الذين يريدون النزول في ٢٥ يناير المقبل، إخواناً، أو فوضويين، أو ممولين من الخارج.
التعميم خطأ، وتقدير الموقف علي أساسه خطيئة.
بعض الذين يتحدثون عن النزول، شباب ثاروا علي نظام التوريث، وثاروا علي حكم المرشد، ومنهم من خرج يرفع صور الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ويطالبه بالترشح لرئاسة الجمهورية.
هناك من يستهين بدعاوي النزول ويقسم أن أحداً لن يستجيب، وهناك من يرتعد لها ويهول.
التهوين في التحسب - في رأيي - أفدح من التهويل في التوقع.
لست أحتاج إلي استطلاع رأي، لأقول إن الغالبية الكاسحة من الشعب ترفض تلك الدعاوي، وتعتبرها معاول تخريب في بنيان وطن يتعافي.
ربما يصلح الكارت الأصفر في زجر دعاة الفوضي والمتمولين، وقد يجدي احمرار العين والتلويح بالهراوة في ردع الإخوان.
لكن الشريحة النقية من الشباب المحتقن أو المحبط ابن ثورتي يناير ويونيو لا تستحق منا إلا الحوار المقنع والمكاشفة، ليس لمجرد إفهام هؤلاء الشباب مخاطر النزول والتحول علي غير إرادتهم إلي حصان طروادة إخواني، وليس بمنطق انه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد دعاة العنف والإرهاب، لأنه في هذا وذاك، إغلاق لجرح بغير تطهير!
علينا أن نعرف لماذا يتحدث عن النزول، شباب مازال يري أن السيسي هو الأصلح لحكم مصر، قبل أن نوجه إلي هؤلاء اللوم ونتهمهم بالغفلة وافتقاد الوعي، علينا أن نتمعن في أسباب الاحتقان ونعالجها، وبواعث الإحباط ونداويها.
< < <
خلال الفترة الأخيرة، دارت بيني وبين نماذج من هؤلاء الشباب حوارات، كنت فيها في جانب الشارح حيناً والمفند حيناً والمدافع حيناً والمتفق معهم حيناً، والمنتقد لهم حيناً. وفي كل الأحوال لم أفقد إعجابي بهم، ولا إيماني بأنهم أفضل من الأجيال التي سبقتهم، جرأة وإقداماً ورغبة حقيقية في التغيير.
خلاصة الحوارات، أن قنوات الاتصال بين الدولة والشباب ليست علي ما يرام. بعضها ليس علي نفس الموجة، وبعضها مصاب بجلطات وانسدادات!
لا يعرف الشباب حقاً ما يجري علي أرض مصر. لا يعرف لماذا بدأنا بهذه الخطوة قبل غيرها، ولماذا نشرع في هذا المشروع قبل سواه. لا يدرك أن كل هذا يتم وفق رؤية متكاملة، وخطط مدروسة. إذا علم الشباب - وقد جربت - لا يكابر إنما يستفسر وتبدو عليه الدهشة مما يسمع وربما الفرحة!
< < <
المسئولية هنا مشتركة :
- بين منزل يتقوقع أفراده علي ذواتهم، فتذوب الأسرة الطبيعية في أسر افتراضية علي مواقع التواصل، تصدِّر اليأس والاحباط والعدمية.
- وبين إعلام فاقد للبوصلة وأحيانا المصداقية، يهتم بشواشي القضايا عن جذورها، ومظاهر الأحداث عن جوهرها. تجتذبه الخلافات والمشاحنات والجدل في غير موضوع، ويحتفي بمن لا يجب الاقتداء به، ويهمل طاقات النور والنماذج المضيئة أو يضعها خارج بؤر الاهتمام.
- وبين أجهزة دولة تحجب البيانات حتي عما هو ايجابي انتظاراً لصدور أوامر، فتبدو المشروعات الكبري أو الخطط الاستراتيجية وكأنها من بنات أفكار اللحظة، وتظهر الإنجازات وكأنها قامت بين عشية وضحاها ولم تسبقها دراسة أو يواكبها جهد وعمل وعرق.
يشكو الشباب حتي الذي يعرف بعضاً مما يجري علي طريق التنمية الاقتصادية، من أن إيقاع التطور السياسي أبطأ من التحول الاقتصادي بمراحل.
معظمهم لا يدافع عن أقرانهم الذين أطلقوا رصاصاً أو ألقوا بعبوات حارقة علي منشآت، لكنهم يتساءلون عن زملاء كانوا معهم في ثورة ٣٠ يونيو، لم يحملوا السلاح ولم يشاركوا في التخريب، إنما خرقوا قانون التظاهر في حشد هتافات سلمية، ومع ذلك يحتجزون مع القتلة والمخربين، بينما بعض الذين أفسدوا الحياة السياسية في عهد مبارك طلقاء في منازلهم يطلون برءوسهم من جديد، يعظون وينصحون عبر وسائل الإعلام!
يشكو الشباب من ممارسات قلة من رجال الشرطة في الأقسام والكمائن تهيل التراب علي عطاء وتضحيات الغالبية من أفراد الشرطة، فالسيئات في مجال الأمن يذهبن - مع الأسف الشديد - كل الحسنات!
يشكو الشباب أيضا من إهدار حقهم في اختيار ممثليهم باتحادات الطلاب، فكيف تطلب منهم المشاركة، بينما ينتزع منهم أبسط حقوقهم في الاختيار؟!
< < <
المصدر الرئيسي لإحباط هؤلاء الشباب، كما لمست، هو تطلعاتهم غير المسقوفة، وغير الموقوتة.
سبب في هذا هو شخصية الرئيس السيسي نفسه. فالبطل الذي عرفوه يوم ٣ يوليو ٢٠١٣، يضع رأسه علي كفه وهو يستجيب لنداء الشعب، والذي خبروه يوم ٢٤ يوليو من نفس العام وهو يطلق دعوة خروج، فيلبيها عشرات الملايين، بدا لهم وكأنه يحمل عصا موسي وخاتم سليمان ومصباح علاء الدين، يستطيع باشارة يد أو مسحة إصبع أن يغير كل شيء قبل أن يرتد طرف العين.
جهد فوق طاقة البشر يبذله الرئيس السيسي، مع أجهزة دولة أناخ عليها الدهر في أفكارها وأدائها وإيقاعها.
صحيح أنه لا يملك العصا ولا الخاتم ولا المصباح، لكنه يمتلك عزما وإصرارا وقدرة علي استنهاض الهمم، حققت في غضون ١٨ شهراً انجازات كبري، من الظلم أن تتواري في صخب الصياح الإعلامي، والمشهد البرلماني، ومن الغفلة أن تقصر في شرح أبعادها وأهدافها وزارات وهيئات الدولة البيروقراطية، ومن الضروري أن يخرج الرئيس ليعرض الرؤية مفصلة والصورة بألوانها وظلالها علي الرأي العام، لأنه خلافا للآخرين يتمتع بالمصداقية والإخلاص وبساطة الإقناع.
يبدو الرئيس محملاً بسداد فواتير تركة تسلمها مثقلة بالديون، في وقت يراد منه أن يوزع ثمار زرع لأرض مازال يقلب تربتها ويبذر فيها بذور الزرع!
< < <
في لقائه الأخير بدار الأوبرا، خلال الاحتفال بيوم الشباب المصري الذي نظمه الوزير الهمام خالد عبدالعزيز ، ألمح الرئيس إلي لقاءات غير معلنة مع شباب قال له بعضهم إنه يشعر بالإحباط لأسباب تتعلق بفرص العمل وغيرها، ودعا الرئيس إلي تنظيم منتدي حوار مع الشباب المصري، يخلص إلي مؤتمر عام يعقد في سبتمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ.
ولعل دعوة الرئيس تفصح عن فشل الأحزاب بلا استثناء برغم عددها الذي يزيد علي مائة حزب، في اجتذاب الشباب وتربيتهم سياسيا وتوعيتهم وحشدهم للمشاركة وتوجيههم لما يفيد وما يضر.
وأظن أننا نحتاج إلي منظومة وطنية متكاملة للاستفادة من طاقة الشباب وإعداد الكوادر المجتمعية والتنفيذية والسياسية تبدأ من سن النشء علي النحو التالي:
< إحياء جمعيات الكشافة والمرشدات بمدارس التعليم الأساسي، ودورها مشهود تاريخياً في مصر والعالم، في تربية النشء علي قيم العطاء والتفاني في خدمة المجتمع، وتدريبهم علي حل المشكلات بأيسر الوسائل. وأظن قدراً يسيراً من تبرعات البنوك والشركات ورجال الأعمال سوف يسهم في تفعيل هذه الجمعيات ونشرها بالمحافظات وتوفير الزي والأدوات والرحلات لاعضائها ممن هم في سن الطفولة والصبا ولعل هذه الجمعيات هي الوسيلة المثلي لقطع الطريق علي وصول جماعات تخريب العقول مبكراً إلي النشء.
< إعادة النظر في تشكيلات مجالس إدارات مراكز الشباب علي مستوي الجمهورية، فبعضها يعج بأصحاب المصالح من أقارب صغار المسئولين في عهد مبارك، وبعضها معاقل لأنصار جماعة الإخوان، وحبذا لو تم ذلك قبل انعقاد المؤتمر القومي للشباب، ليكون تمثيل تلك المراكز معبراً بصدق عن شباب كل منطقة.
< الإعداد من الآن لإنشاء كيان قومي لشباب مصر، من واقع مداولات منتدي الحوار مع الشباب، وصولاً ليكون تأسيس هذا الكيان أحد أهم نتائج المؤتمر القومي في سبتمبر المقبل.
وأحسب حضور الرئيس لجانب من فعاليات منتدي الحوار مع الشباب، وتنظيم لقاءات له مع شباب اتحادات العمال والفلاحين والأعمال والنقابات المهنية، سيكون لهما أبلغ الأثر علي تحقيق المؤتمر القومي لأهدافه.
< < <
عودة إلي العيد الخامس لثورة ٢٥ يناير، فلتهدأ حناجر الذين يعتبرونها مؤامرة، ولتسكن أصوات الذين يضعون في الشباب كل نقيصة، ولترشد أفكار الذين يريدون تحويل العيد إلي يوم حزن والاحتفال إلي مصادمات، وليتأهب رجال الشرطة لدعاة التخريب والفوضي دون سواهم، وليترقب الشباب الوطني الذي تسببنا في احتقانه واحباطه، انفراجة علي الطريق في ملف المحبوسين والسجناء من الجانحين في حماسهم، ونافذة واسعة للمشاركة في رسم مستقبل بلدهم.