أما الجلسات التي تتناول مشاكل الناس وهمومهم وقضايا حياتهم فإن هذه قضايا قد يكون من المطلوب عرضها علي الناس لحظة حدوثها. لأنها تحمل قدراً من الاطمئنان للإنسان العادي

عندما عرض الدكتور علي عبد العال علي نواب الشعب وممثليه فكرة وقف البث التليفزيوني المباشر لما يجري في البرلمان. قوبل عرضه بموافقة جامعة مانعة من الجميع. بل قوبلت بتصفيق حاد منهم. وإن كنت أحب مناقشة الأمر بعيداً عن الطرطشة العاطفية التي حكمت رد الفعل.
لا أعرف هل من حقي أن أناقش هنا أمراً يجب مناقشته تحت القبة؟ أم أن في ذلك تجاوزا وتناولا لأمر يجب أن يتناول هناك وعرضه علي الرأي العام؟ لكني أحاول أن أمارس عادتي في الكتابة عما يلح عليَّ. ولن أعرض هنا سوي رأيي الشخصي. ولا ألزم برأيي أحداً. ولا يعد مسئولاً عن هذا الرأي سواي. إن كان فيه صواب لن أنسبه لنفسي. وإن كان فيه خطأ - وبني آدم خطاء والصواب لله واحده - فأنا وحدي الذي أتحمل الخطأ.
في ظل وجود البث التليفزيوني المباشر. فإن غواية الصورة كانت تتحكم في أداء كثير من النواب. كان البعض منهم - وأنا لا يمكن أن أعمم فالتعميم خطأ - أقول كان البعض منهم يخاطب الخارج لأنه أهم مما يخاطب الداخل. يخاطب النائب دائرته قبل أن يحدث القاعة. كأنه يقول لهم: ها أنذا. أقوم بدوري داخل البرلمان محاولاً أن يثبت لهم أنه كان جديراً بثقتهم.
ونائب الشعب وابن الدائرة لديه حق في ذلك. كانت الجلسات الأولي بعد معركة انتخابية. ولكن كل حق لا بد أن يقابله واجب. هكذا تعلمنا الديمقراطية والعمل السياسي. وإن كان الحق يبدو جميلاً عندما نحصل عليه. فإن الواجب لا بد أن نقدمه كاملاً مهما كانت الصعوبات.
أعود لقضية البث التليفزيوني. وأتصور أن ما يتناوله البرلمان من قضايا ينقسم إلي أمرين. الأول يدور حول علاقات البرلمان الداخلية وقوانينه. وما ينظم عمله من لوائح يجري العمل عليها. وهذه أمور لا تهم المشاهد العادي ولا المُنْتَخِبْ الذي أعطي صوته بحرية تامة. وبالتالي فإن عرض هذه الجلسات علي الهواء قد لا يعود بالفائدة علي أحد. فضلاً عن أنها لا تهمه.
أما الجلسات التي تتناول مشاكل الناس وهمومهم وقضايا حياتهم ابتداء من جغرافية الهموم، وصولاً للميزانية وأداء الوزارات والتجاوزات التي يمكن أن تحدث مع الناس. فإن هذه قضايا قد يكون من المطلوب عرضها علي الناس لحظة حدوثها. لأنها تحمل قدراً من الاطمئنان للإنسان العادي بأن مشاكله وهمومه وجدت مكانها تحت قبة البرلمان.
لا يمكن القول أن البرلمان يمكن أن يشكل سلطة مطلقة. فهؤلاء الأعضاء جاءوا ليمثلوا الشعب. وعرض ما يقومون به فيما يخص مشاكل الناس اليومية. مطلوب حتي يشكل رقابة شعبية علي ما يتم. وبالتالي فإن عرض هذه المناقشات بعد أن تهدأ الأمور قد يكون مطلوباً.
ليس من حقي أن أفتي نيابة عن زملائي. وبينهم أصدقاء أعزاء، وهم جميعاً أساتذة لهم تاريخ في العمل البرلماني. وربما أدركوا ما لا أدركه. وتوصلوا الي ما لم أتوصل إليه. وما أقدمه الآن مجرد اجتهاد فردي يقبل أو يرفض. وقبوله لا يعني انتصاري. ورفضه لا يعني هزيمتي وانتصار الآخرين عليّ. لأن الهدف يعني الصالح العام فقط.
عرض المناقشات قد يحمل قدراً من الاطمئنان للناس في الشارع. وعرضها يجد إقبالاً علي مشاهدته. لدرجة أن أحد الناس قال لي أن عرض الجلسات قد خفف كثيراً من إقبال الناس علي المسلسلات التليفزيونية. وربما وصل الإقبال علي مشاهدة جلسات البرلمان لمنافسة متابعة مباريات كرة القدم. أي أن الناس تشعر بحالة من الحرص علي متابعة ما يجري في البرلمان. وهذا يخلق حالة من المسئولية علي النواب. ثم إن العرض علي الهواء مباشرة قد يوفر حرصاً من النواب علي ما يقولونه وما يقومون به أمام الناس.
لست من هواة مقارنة أحوالنا بغيرنا. ولا أحب أن نتحدث عن البرلمان البريطاني وما يجري فيه. أو الكونجرس الأمريكي وما يتم إزاء جلساته. هل تعرض كاملة علي الهواء؟ أم تسجل وتعرض بعد ذلك؟ لا توجد لديَّ معلومات دقيقة حول هذا الأمر. وأنا لا أفتي فيما لا أعرفه. لكني أميل إلي أن تكون لنا تجربتنا المحددة التي ربما اختلفت عن تجارب الآخرين. والتي لا بد أن تناسب ظروفنا الخاصة. وأعتقد أن حق الناس في أن تعرف مقدس. لا يجب أن ننال منه. وأيضاً فإن مراعاة ظروف البرلمان وما يقوم به من أعمال قد تكون مطلوبة.
لا نبدأ من الصفر. لدينا تاريخ من العمل البرلماني. وظروف إعلامية طارئة ومتنوعة من الكلمة للصورة للفضاء الإليكتروني. ولا بد من الوصول لصيغة ترضي الجميع.