«حرص الناس علي مشاهدة الجلسة الأولي فرحين بعودة البرلمان وفرحوا أكثر لأن المجلس سيعوضهم عن البرامج التليفزيونية الساخرة المفتقدة

صار مجلس النواب واجتماعاته حديث الناس في كل مكان في مصر خاصة بعد ما حدث في الجلسة الأولي وسلوكيات بعض النواب. مشاهد لم يتعود المواطنون عليها لدرجة أن المجلس اتخذ قرارا بعدم إذاعة الجلسات علي الهواء وهو إجراء « نعامي « أي كما النعامة التي تدفن رأسها في الرمال معتقدة أن أحدا لا يراها وبهذا يعالج المجلس العرض ولا يعالج المرض باعتبار أن ما يحدث داخل المجلس أمر داخلي وكلنا ستر وغطا علي بعض.
حرص الناس علي مشاهدة الجلسة الأولي فرحين بعودة البرلمان وفرحوا أكثر لأن المجلس سيعوضهم عن البرامج التليفزيونية الساخرة المفتقدة فقد شاهدوا سلوكيات يرونها لأول مرة في برلمان وهي مجتمعة تشكل مواقف كوميدية مبكية فقد رأي الناس نوابا يرتدون « ملابس العيد « يلتقطون لأنفسهم صورا « سيلفي « بالمحمول.. وأحدهم كان مبتسما « وفاتح بقه علي الآخر لأنه بيتصور مع زميلته «. بينما آخر تصادف جلوسه بجانب كاميرا التليفزيون فظل يلوح بيده لأقاربه الذين يعتقد أنهم يشاهدونه علي الشاشة وكرر تلويحه بما يعني أنها ليست مجرد مداعبة إنما مؤكد أنه يعاني خللا في نافوخه ويستاهل أهل دائرته لأنهم انتخبوا ممثلا لهم بهذا الشكل.
نائب آخر مارس الحجر علي زميلاته وطلب منهن الاحتشام وكأنه ولي أمرهم.. النائب العجيب لا يدرك أن هؤلاء النائبات هن زميلات له لهن نفس الحقوق ونفس الحصانة ولا تميز له عليهن.. وهذا النائب نفسه طلب من وزير الأوقاف منع « البوس « بين الأعضاء.. وعاب علي زملائه أنهم لا يقدرون المكان الذي يجتمعون فيه وعمره المديد !! دعونا من قسم مرتضي منصور أو كمامة عكاشة.. وخلينا نتكلم جد.
رئيس المجلس صاحب القامة الأكاديمية الكبيرة قرأ كلمته مكتوبة غير مرتجلة ومع ذلك كسر كل قاعد النحو حتي شعرنا أن واضعي علم النحو العربي تململوا في قبورهم، أما الأحياء فليتولاهم المولي.. الوكيل أيضا الذي يفترض أنه حافظ القرآن باعتباره نقيب الأشراف تلجلج في قراءة الآيات وهو أمر لا يجوز.. لا من الرئيس ولا من الوكيل. كان الدكتور رفعت المحجوب رحمه الله يرتجل أو يتلو بدون توقف أو لجلجة أو إعادة وكان عندما يتحدث تصمت القاعة صمت الإنصات الوقور. كما أن الدكتور فتحي سرور كان خطيبا مدربا باعتباره محامياً وكذلك بعدما تولي قيادة المجلس، ولا يعيب الخطيب أو المتكلم أن يتم تشكيل خطبته أو كلمته التي يلقيها فالخطأ سيقل بهذه الصورة.
من بدع المجلس أيضا منع التصفيق وهو أمر عجيب فعلا فالتصفيق نوع من التعبير عن الرأي باستحسان ما يقوله المتكلم وقد درجت التقاليد والأعراف علي اعتبار التصفيق نوعاً من قياس الرأي بشأن حديث المتكلم بل إن دولا وأجهزة كبيرة تقيس عدد مرات المقاطعة بالتصفيق وكم استمرت الأكف في التصفيق. لا يهمني أن يصفق النواب أو لا يصفقون إنما أقول إن هذا النوع من القرارات لا تفسير له. ومن حق النائب أن يبدي رأيه بالتصفيق لكن ليس من حق أعضاء الحكومة لا المشاركة في التصويت ولا التصفيق. وأذكر في نهايات الثمانينات أن المجلس كان يناقش قانون الاستثمار وحاول د. رفعت المحجوب تعطيل إصدار القانون مدركا أن هذا القانون بداية نهاية الاشتراكية في مصر لكن الحكومة استطاعت تمرير القانون فصفق الدكتور محيي الدين الغريب رئيس هيئة الاستثمار وقتها مستحسنا قرار المجلس.. فنهاه الدكتور المحجوب عن التصفيق قائلا : « لا تصفق.. فإن التصفيق إبداء للرأي.. وليس من حقك إبداء الرأي في المجلس «.
أما قرار عدم إذاعة الجلسات علي الهواء فقد أشرت إليه في بداية المقال وأشيد هنا بنائب شاب في عمره مخضرم في درايته هو أحمد الطنطاوي ولا أعلم انتماءه السياسي فقد شاهدته في برنامج تليفزيوني فكان واعيا وفاهما معبرا عن آرائه بحكمة وخبرة بعكس زميله في الحلقة الذي كان يؤيد منع البث المباشر لكنه لم يستطع الدفاع عن وجهة نظره.