بدأ رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل في تحديد ملامح برنامج حكومته في أحاديثه الأخيرة قبل أن يتقدم به لمجلس النواب. وأظن أنه سوف يستدعي حواراً جاداً حول مستقبل مصر.. خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية.
أول أمس تحدث عن ضرورة رفع معدلات التنمية إلي ٦٪ (كانت ٢.٥٪ في العام الماضي) حتي يلمس المواطن اثارها الايجابية. وفي نفس الوقت طالب المواطنين بألا ينتظروا أن تتساقط عليهم ثمار النمو. بل عليهم أن يعملوا لتحقيق الأهداف المطلوبة.
حكاية تساقط ثمار النمو لها ذكريات مريرة مع المواطنين. فقد تلازمت مع أكثر سنوات النهب المنظم للمال العام قبل ثورة يناير، وفي حين كان الحديث يتوالي عن معدلات تنمية وصلت إلي ٧٪، كان المواطن لا يشعر بأي تحسن في حياته، بل كانت الأمور بالنسبة له تسير من سييء إلي أسوأ. بينما كان فلاسفة تبرير النهب العام لا يتوقفون عن حديث «تساقط ثمار النمو» علي المواطنين بعد أن تمتلئ كروش ناهبي المال العام، وبعد أن تتراكم ثرواتهم، وبالتالي فليس علي المواطن العادي إلا أن يتحمل وينتظر ما لا يجئ.. وهو «تساقط ثمار النمو»!
ولم يكن مجديا مع هؤلاء أن تذكرهم بأن الانتظار مستمر دون جدوي منذ بدأت سياسة «الانفتاح السبهللي» في منتصف السبعينيات!
ولم يكن مجديا معهم أيضا أن تقول لهم إن ما يقال عن معدلات النمو التي تحققت هي نفسها معدلات التنمية التي شهدناها في الستينيات من القرن الماضي.. لكن ما أشد الفارق!.. فالتنمية في الستينيات لم تذهب لجيوب القلة التي لا تشبع من الثراء (حلالا كان أم حراماً).. ولكنها كانت تذهب للصحة والتعليم وبناء المصانع وخلق فرص العمل وتحسين حياة الفقراء وفتح أبواب الأمل أمام الجميع.
نعرف أن الظروف الآن تغيرت. وما يقوله رئيس الوزراء يعني الطلب من الكل أن يساهم في بناء الوطن وفي تجاوز ما نمر به من صعوبات. والأمر يتطلب سياسة متكاملة تشجع الاستثمار بكل السبل، وفي نفس الوقت تنحاز للعدالة الاجتماعية بكل وضوح.
ويتطلب الأمر أن تضرب الدولة بكل قوة حزب الفساد، وسماسرة الاستيراد السفيه والمتاجرة بأقوات الشعب. وأن تنحاز للصناعة الوطنية، وأن تعيد الحياة للحركة التعاونية حتي تستطيع أن تجمع جهود الشباب وتساعدهم في المشروعات الصغيرة التي لا يمكن أن تحقق المطلوب منها بدون دعم الدولة وتعاون شركاء الإنتاج الصغير حتي لا تلتهمهم حيتان السوق.
المهمة صعبة، والتفاصيل كثيرة، والكل يريد أن يشارك، ولا أحد يريد انتظار ثمار التنمية، لكن ـ بالتأكيد ـ هناك من يريد أن يستحوذ عليها وحده.. وكأنه لم يتعلم الدرس مما حدث!