تأتي زيارة الرئيس الصيني «شي جين ينج» لدولة مصر العربية ممثلا لدولة صديقة وشعب صديق. هذه الصداقة ليست وليدة علاقات تقليدية بين دولتين سندها المصالح المشتركة فحسب وانما تقوم علي التقدير والاحترام الذي يحفظ لكلتا الدولتين قدرهما ومكانتهما علي الساحة الاقليمية والدولية.
اختيار الرئيس الصيني موعد زيارته مرادفا للاحتفال بمرور ستين عاما علي اعتراف مصر بدولة الصين العظيمة إبان حكم الزعيم ماوتسي تونج ورئيس حكومته شواين لاي يعكس عمق وصلابة العلاقة التي تربط مصر والصين. في هذا الاطار لا يمكن ان تنسي بكين للقاهرة اقدام الزعيم الخالد جمال عبدالناصر علي هذه الخطوة في وقت كان العالم فيه يقاطع هذه الدولة التي يصل عدد سكانها الي مليار و٣٥٠ مليون نسمة بما يساوي ٢٢٪ من عدد سكان العالم جرت هذه المقاطعة الدولية خضوعا للضغوط الغربية بقيادة الولايات المتحدة في اطار الحرب الباردة التي كانت تخوضها ضد الايدلوجية الشيوعية والاشتراكية العالمية.
منذ هذا التاريخ تنامت العلاقات مع الصين في كل المجالات مصاحبة للطفرات الهائلة التي حققتها هذه الدولة العظيمة صناعيا واجتماعيا وأصبحت حاليا تمثل أكبر اقتصاد في العالم. ليس أدل علي هذه الحقيقة من التأثيرات الهائلة لأي تحركات لها في المجال الاقتصادي من انعكاسات سلبية او ايجابية علي الاقتصاد العالمي وبورصاته المالية.
في ظل هذا التطور المتواصل تعاظمت علاقة مصر والصين التي كانت مساندة وداعمة للمواقف المصرية اقليميا ودوليا. وتعظيما لحق قارئ «الأخبار» في تسليط الضوء علي المسيرة الصينية قمت عام ١٩٩٥ بزيارة بكين لاجراء حديث صحفي مع رئيس وزرائها في ذلك الوقت لي بنج. اتسم هذا الحديث بالودودية والمشاعر الحارة تجاه مصر. واذكر انني سألته عن وجهة نظره فيما كان يتردد في ذلك الوقت عن امكانية ان تسيطر الصين علي الاقتصاد العالمي خلال العشر سنوات القادمة. قبل اجابته علي هذا السؤال ظهرت علي وجهه ابتسامة تؤكد الثقة والعزم.. ثم قال انه يعتقد ان ذلك سوف يتحقق بعد حوالي ٣٠ عاما وليس ١٠ اعوام وهو ما حدث بالضبط. معني ما قاله لي بنج في عام ١٩٩٥ ونحن الان في عام ٢٠١٦ ان التحرك الصيني نحو القمة كان مبرمجا ويسير بخطي محسوبة. وعن توفير الغذاء لهذه الملايين من الصينيين قال لي انهم يعملون علي ان يتحقق ذلك ذاتيا لان امكانيات العالم لا تستطيع الاستجابة لهذه المتطلبات.
خلال زيارتي للصين بهذه المناسبة والتي استغرقت اسبوعا اتيح لي ان ازور الي جانب المعالم السياحية مدينة شنغهاي الشهيرة. شملت الزيارة تفقد المنشآت الصناعية العالمية بالمنطقة الصناعية المقامة في منطقة تبعد عدة كيلو مترات. سألت احد المسئولين الصينيين المرافقين عن شروط اقامة هذه المشروعات. اجابني بأن الشرط الاساسي هو ان تقوم هذه الشركات بنقل «النوهاو» . أي سر صناعة المنتج الذي تصنعه مقابل السماح لها بتسويق انتاجها بالسوق الصيني الضخم الذي يسيل له لعاب كل الشركات الصناعية والتجارية في العالم. انطلاقا من هذه الشروط جري وضع استراتيجية التقدم الصناعي للماردالصيني بكفاءة عالية مستهدفة انتاج وإضافة كل شيء من صناعات صغيرة أو مستلزمات انتاج تشمل اضخم المعدات اللازمة للتصنيع.
من المؤكد ان التجربة الصينية تعد فريدة ورائعة في انتاج كل شيء وهو الامر الذي اصبح يثير قلق معظم الدول الصناعية التقليدية الكبري التي اصبحت عاجزة عن مسايرة مسيرة هذا العملاق. علي ضوء هذا النجاح المبهر فإنه يتعين علينا واعتمادا علي الرصيد التاريخي لعلاقتنا بهذه الدولة العظمي ان نعمل علي الاستفادة من هذه التجربة.
إن أهم محاور هذه التجربة المبهرة كما شاهدت وسمعت وتابعت الاعتماد علي العنصر البشري تدريبا واجتهادا وعملا وعطاء وابتكارا في كل المجالات. انها دولة تعمل بنظام خلية النحل التي يقوم كل واحد فيها بما هو مطلوب منه دون كلل او تعب من اجل القيام بواجباتهم نحو وطنهم ونحو أنفسهم.
ما زالت هذه التجربة الصينية الفريدة تتوالي نجاحاتها وهو ما يؤكد انها لا تعترف بأي حدود لما يمكن ان تصل اليه.