شئ طيب أن يخرج علينا بعد طول صمت الاستثماريون الوطنيون بتصريحات للدفاع عن موقفهم من شح نشاطهم رغم مايمثله من تأثيرات فاعلة علي متطلبات التنمية ومواجهة مشكلة البطالة بانعكاساتها الاجتماعية. تبريرا لهذا الصيام عن ضخ استثمارات لمشروعات صناعية جديدة أو التوسع فيما هو قائم اشار محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين إلي وجود حالة من الضغوط وعدم الرضا من جانب القائمين بالاستثمار الصناعي والراغبين في هذا المجال نتيجة غياب التشجيع من جانب أجهزة الدولة خاصة وزارة الصناعة إلي جانب المعاناة من قائمة طويلة من المعوقات.
يأتي ضمن ما يشكو منه هذا القطاع الحيوي اقتصاديا.. توقف الحكومة عن تقديم الدعم المقرر للتحفيز علي تجويد الانتاج وزيادة الصادرات. كان من نتيجة ذلك وفقا لما قاله خميس تراجع قيمة هذه الصادرات وهو ما إنعكس سلبا علي الدخل الوطني وبالتالي الناتج القومي. اكد ان تكلفة اقامة المشروعات الصناعية نتيجة الاجراءات المعقدة وتفاقم مشكلة التهريب يعد ايضا من أسباب الاحجام عن الاستثمار في الصناعة.
أدت هذه المعاملة السلبية الي توجه عدد من المستثمرين المصريين لاقامة مشروعات صناعية في الدول الخارجية للاستفادة من الامتيازات والتسهيلات التي يتم تقديمها.
أنكر خميس عدم مشاركة الاستثماريين الصناعيين في جهود التنمية ساخرا من كل ما يواجههم من الصعوبات قائلا اذا كنا لا نقوم بالتنمية فمن الذي يقوم بالتنمية في هذا البلد.. هل هم بتوع «الهشك بشك»؟!
اما نائب رئيس الاتحاد محرم هلال فقد كان اكثر صراحة وصرامة عندما قال أن المناخ السائد للاستثمار لا يشير إلي امكانية اعتزام المستثمرين المصريين بضخ استثمارات جديدة أو تطوير القائم منها خلال الفترة المقبلة. أعلن أنه لا عودة إلي تنشيط وانطلاق الاستثمار الصناعي الا اذا توافرت الشروط الثلاثة الاتية :
> وجود أرض في المواقع الملائمة وبأسعار مناسبة.
> الحصول علي رخصة المشروع من مكان واحد.
> لجنة فعالة لديها كافة السلطات لفض المنازعات مع المستثمرين في وقت محدد لايتجاوز شهرا.
توافر هذه الشروط سوف يعني أقبال المستثمرين للعودة إلي ساحة الاستثمار الصناعي من جديد .
انه بالطبع لايمكن سوي مساندة وتأييد كل ما تم ذكره من تبريرات لحالة الاحجام عن الاستثمار الصناعي. حول هذه القضية فان احدا لا يمكن أن ينكر أو يغفل عن اهمية وضرورية هذا النشاط لتحقيق الازدهار الذي نتطلع إليه وهو ما سبق أن أشرت اليه في عدة مقالات سابقة. في نفس الوقت فانه يجدر الاشارة إلي ان السنوات الماضية شهدت هروب الاستثمار الصناعي من الميدان.
لم يعد خافيا أن الكثير من العاملين في هذا المجال قد تحولوا باستثماراتهم إلي المضاربة علي أراضي الدولة التي كانوا يحصلون عليها وكذلك القيام بالمشروعات العقارية باعتبارها وسيلة سهلة ومربحة للغاية لتحقيق الثراء السريع. ان احدهم قال لي مرة أنه حصل علي قطعة أرض علي طريق الاسماعيلية قام ببيعها بعد تسقيعها ليربح منها عدةملايين من الجنيهات وهو مبلغ لم يحققه علي مدي سنوات طويلة من استثماراته الصناعية.
لقد كان علي هذه الدولة التي تعيش في غيبوبة الجهل والفساد أن توظف هذه الاراضي بشروط قانونية واضحة وحازمة لاستثمارها ولا تسمح بالمتاجرة فيها. انها في هذه الحالة كانت ستضمن استغلالها في التنمية الصناعية وكذلك الاسكان الذي يقدر المواطن علي دفع تكلفته .
ورغم التغيرات التي شهدتها الدولة في السنوات الاخيرة الا انها وللأسف تتبني نفس الاخطاء بسياساتها الخاطئة التي دفعت بها للتحول من الضد إلي الضد. انها تقوم حاليا ومن خلال وزارة الاسكان وروافدها بالمتاجرة والمضاربة في أراضي الدولة للوصول باسعارها لارقام فلكية. ادت هذه السياسة إلي خلل فاضح في سياسة سوق الاراضي والعقارات وبالتالي أصبحت قيمة هذه الاراضي عقبة امام توفير الاسكان الاجتماعي وكذلك امام المستثمرين الصناعيين للحصول علي ما يلزمهم من أراض بأسعار مقبولة تجنبهم تحمل اعباء باهظة في تكلفة مشروعاتهم.
من ناحية اخري فان ما قاله هذان القطبان الصناعيان في مجال الاستثمار الصناعي يشير باصابع الاتهام إلي الحكومة ووزارة الصناعة وكل الوزارات المعنية في عدم تفعيل نظام الشباك الواحد للاستثمار الذي تضمنه قانون الاستثمار المعدل. ليس من سبيل للخروج من هذه الدائرة المغلقة التي تعطل مسيرة التنمية والتقدم الا اذا عالجنا مسئولينا من حالة الصمم المصابين بها وعلاجهم من داء الاصرار الذي يمنعهم من اتخاذ ما هو معمول به من اجراءات في الدول التي حققت نجاحا في تعظيم مشروعاتها الصناعية