لعلنا نقر بالواقع إذا ما قلنا إن العالم كله بدوله الغنية والنامية والفقيرة ونحن معه بالتأكيد، يكن إعجابا كبيرا للتجربة الصينية الفريدة، التي حولت تلك الدولة الأكثر تعدادا علي مستوي العالم «مليار و ٤٠٠ مليون نسمة» ، من دولة تقبع في صفوف دول العالم الثالث، إلي دولة ناهضة تقف في مقدمة الدول المنطلقة في النمو،...، بل الأكثر نموا في العالم كله، وتستعد الآن بكل الاستحقاق لاحتلال مقعد متميز بين الدول الأكثر قوة وتأثيرا ، رغم إصرارها علي التواضع والقول بغير ذلك، وتمسكها بالتأكيد الدائم علي أنها فقط دولة نامية،...، وهذا ذكاء سياسي وهو ايضا تواضع اقتصادي وسياسي ايضا.
وإذا كان ذلك هو حال الجميع، ونحن منهم، فإننا يجب أن نتوقف بالفحص والتأمل ، ثم بالدرس والعبرة، إلي الجدية التامة والانضباط الكامل الذي تتسم به كل صور ومجالات الاداء والسلوك الصيني في العمل بالذات، وكمنهج حياة بصفة عامة،...، وهو ما يلمسه كل من زار الصين أو تعامل عن قرب مع الاصدقاء الصينيين.
وحيث إني قد اتيحت لي الفرصة لزيارة الصين أكثر من مرة، خلال سنوات عملي الصحفي بجريدتنا «الأخبار»، فقد كان ولا يزال يلفت انتباهي بقوة ذلك التقديس والاحترام لقيمة العمل والانتاج لدي المواطنين الصينيين، علي اختلاف مواقعهم وأعمارهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية.
والملاحظة الاساسية التي يمكن أن تنطبع في عقل وذاكرة كل الزائرين للصين، منذ اللحظة الاولي لمصافحة الوجوه ومتابعة السلوك والتصرفات، انه لا وقت للضياع، ولا مكان للتسيب أو الاهمال، ولا وجود لشيء اسمه الكسل أو التهرب من المسئولية، ولا وجود ايضا للمتسكعين بلا عمل في أي مكان.
والانطباع العام والدائم لدي وكل من زار الصين، هو أننا أمام تجربة مجتمعية وإنسانية حقيقية قائمة علي التنمية الشاملة، قد تكون فريدة في بعض خصوصيتها المتصلة بالمكان وطبيعة البشر ومكوناتهم الفكرية والثقافية،..، ولكنها بالقطع ليست مقصورة عليهم بل هي قابلة بالتأكيد للنقل والتقليد والتكرار في دول وشعوب أخري، لأنها ببساطة قائمة علي العمل والجدية والانضباط، ..، وهذه قيم انسانية لابد منها لتحقيق النهوض والتقدم والنمو.