رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن إيران، الإيرانيون سعداء بذلك، فالعائد الاقتصادي كبير، الأموال الإيرانية المجمدة لدي الولايات المتحدة منذ سنة 1979 ضخمة، وطبقاً للاتفاق الإيراني الأمريكي سوف تعيد الولايات المتحدة هذه الأموال وفوائدها إلي إيران، غير ذلك فإن العائد السياسي كبير أيضاً، وهكذا لم تعد الولايات المتحدة هي «الشيطان الأكبر»، وفقاً للمصطلح الذي أطلقه آية الله خميني، بعد ثورة 1979، وبالمثل لم تعد إيران «الدولة المارقة» ولا زعيمة محور الشر، كما أطلق عليها زمن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن).
ويبدو أن العلاقات بين إيران والغرب عموماً، سوف تشهد ازدهاراً في الفترة المقبلة، ذلك أن الغرب يعول علي إيران في الكثير من القضايا بالمنطقة، خاصة المسألة السورية وكذلك اليمنية، ولاحظنا أن دول الغرب مثل فرنسا وألمانيا -في الأيام الأخيرة -مهتمة بتحسين الأجواء المضطربة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، لأن تحسين الأجواء بين الدولتين، يعني حلحلة الأزمتين اليمنية والسورية، ومن ثم حلحلة الأوضاع كذلك في لبنان.
غير هذين الملفين، استطاعت إيران أن تمسك بجانب كبير من الملف العراقي بين يديها، وصار لها تأثير لا يستهان به فيه، وهذا يعزز دورها وأهميتها لدي الولايات المتحدة خاصة، وذلك أن الولايات المتحدة تورطت بصورة حادة في الشأن العراقي منذ سنة 2003، حين أقدمت علي احتلال هذا البلد العربي الكبير، ولم تتمكن من أن تحقق ما وعدت به من إحلال الديمقراطية والحرية محل ديكتاتورية صدام حسين، وهي تسعي للإفلات من هذا الملف، لكنها تبقي متحملة مسئولية أدبية، أمام العالم، للوصول بالعراق نحو قدر من الاستقرار والهدوء، والواضح أنها تعول علي أن تكون إيران طرفاً فاعلاً ومؤثراً في هذه العملية.
هذه الخطوة بين الولايات المتحدة وإيران تثبت للمرة الألف أنه لا عداوة مطلقة وأبدية في السياسة، كما أنه ليس هناك صداقة إلي حد التوحد أو التطابق التام، هناك مصالح للدول وللشعوب، نجاح الدولة - أي دولة - في أن تحقق لشعبها أكبر قدر من المصالح، وأن تحافظ علي أمنها القومي..
خطوة التقارب الأمريكية - الإيرانية، لم تكن الأولي بالنسبة للولايات المتحدة، فقد سبقتها عملية التصالح وإعادة العلاقات مع كوبا العام الماضي، بعد أكثر من نصف قرن من القطيعة والعداء، بدأت القطيعة زمن الرئيس جون كنيدي والرئيس فيدل كاسترو، وقتها كانت الحرب الباردة مشتعلة وكان الرئيس كاسترو علي علاقة جيدة بالاتحاد السوفيتي، وهكذا رأت الولايات المتحدة أن اقتراب التأثير السوفيتي من حدودها، أمر يجب التصدي له، فكانت القطيعة، أما الآن فقد جرت في النهر مياه كثيرة أمواج جديدة، فكان أن انتهي العداء وزال الخصام.
ما يحدث أمامنا ليس جديداً ولا مفاجئاً، من يصدق أن الزعيم السوفيتي «جوزيف ستالين» كان حليفاً للرئيس الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية، وكذلك الزعيم البريطاني ونستون تشرشل، وقتها لم يمتعض الغرب من ماركسية ستالين ولا توقف أمام ديكتاتوريته الشديدة، كان الخطر النازي أشد وأكبر، وكان «هتلر» مخيفاً للجميع فتوحد ضده زعماء الرأسمالية والماركسية وخاضوا معاً حرباً شبه مقدسة للخلاص من النازية، ولما تحقق الانتصار في الحرب العالمية الثانية علي هتلر وتمت الاطاحة به، جلسوا معاً يتقاسمون نتائج الانتصار، ثم قامت الحرب الباردة وانقلب الحلفاء إلي خصوم !!
هكذا الحال طوال التاريخ، في صراعات الامبراطوريات وعلاقات الدول وهو يحدث في أوقات الحرب وأثناء المعارك وفي أوقات السلم كذلك، ليس هذا فقط بل الأمر نفسه نجده في العلاقات والصراعات السياسية داخل كل بلد، بين الأطراف والشخصيات السياسية فيه.
وأظن أن من تابع العلاقات بين الزعماء الروس زمن «خروتشوف» خاصة، ثم بعد رحيل «بريجنيف»، يدرك كيف كانت العلاقات والصداقات تتبدل، وفي البلاد الديمقراطية يحدث الشئ نفسي ولكن بأساليب مختلفة وفي منطقتنا لا يختلف الأمر كثيراً.
نحن نعرف أن سيف الدين قطز والظاهر بيبرس حاربا معاً المغول، وحققا انتصاراً ساحقاً، كان قطز هو القائد وبعد الانتصار انقض بيبرس علي قائده وقتله من أجل منصب سياسي، وفي العصر الحديث وجدنا الزعيمين سعد زغلول وعدلي يكن خاضا معاً ثورة 1919، كان سعد زغلول هو الزعيم الأكبر بكل تأكيد، ولكن بعد الثورة دب الخلاف السياسي بينهما، صحيح أنه لم يكن خلافاً شخصياً، بل كان حول القضية الوطنية، لكن استحكم الخلاف حتي تحول إلي ما يشبه العداء، وانتقل الأمر إلي الشارع، وأضيرت الثورة والقضية الوطنية من جراء هذا الخلاف.
هكذا لعبة السياسة دائماً.