ويعكس التناقض بين قانون الخدمة المدنية وتعديلات قانون التأمين الاجتماعي عدم التنسيق بين وزارات المالية والتخطيط والتضامن

منذ إصدار قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 وهناك لغط جماهيري في الشارع المصري حوله.. ورفض شعبي لأحكامه.. هذا القانون الذي صدر في غيبة مجلس النواب وصدق عليه رئيس الجمهورية بعد مراجعة وموافقة مجلسي الدولة والوزراء وفي النهاية رفضته لجنة القوي العاملة بمجلس النواب في أولي جلسات مناقشة القوانين.. وقد أكد الرئيس السيسي أول أمس في الإحتفال بعيد الشرطة 64 علي أنه لا يتدخل في شئون مجلس النواب ولكن للتوضيح أن الهدف من قانون الخدمة المدنية هو الإصلاح، فهناك نحو 7 ملايين موظف بالحكومة في الوقت التي تحتاج إلي مليون فقط.. وأنا اطمن الناس أن الـ 6 ملايين الأخري هي معنا ولا نضحي بها ولكن هدفنا الأعظم هو الإصلاح من أجل مستقبل أولادنا..
وأود أن أوضح هنا أن قانون الخدمة المدنية يذكرني بالقانون 135 لسنة 2010 الذي صدر بدون حوار مجتمعي حوله متجاهلا فكرة إصلاح مواطن الضعف في نظام التأمين الإجتماعي الحالي.. وتم إلغاؤه بعد أن رفضته قطاعات عريضة من المجتمع المصري.. ويأتي قانون الخدمة المدنية الذي صدر دون الإستماع لأي تنظيمات نقابية قبل إصداره بدعوي ترهل الجهاز الإداري للدولة، والقضاء علي الفساد.. والأهم العبء الكبير الذي تمثله أجور العاملين في هذا الجهاز علي الخزانة العامة.. وتجاهل فكرة إمكانية الإصلاح الإداري وتحقيق العدالة الإجتماعية.. فالقانون استهدف تطبيقه علي قطاعات معينة دون قطاعات أخري رغم أن القطاعات المستثناة من التطبيق تمثل الفئات المميزة المسماة بالكدرات الخاصة والتي تستقطع نسبة كبيرة من موازنة الأجور بالموازنة العامة للدولة.. والحقيقة التي يخفيها من أصدروا هذا القانون أنه صدر من أجل تنفيذ سياسات البنك الدولي المفروضة علي مصر.. والتي نتج عن تطبيقها آثار إجتماعية واقتصادية سلبية نراها في سياسة الخصخصة وتسريح أعداد ضخمة من العمالة الماهرة التي تعطلت عن العمل وهدم صروح إنتاجية كانت تقدم سلعا تلبي طلبات المواطن وتصدير الفائض منها بدلا من استيرادها والنموذج واضح في قطاع صناعة الغزل والنسيج..
وحقيقة الأمر أن هناك مجموعة من المسئولين من مدرسة البنك الدولي كانوا يتسابقون في إصدار القوانين تنفيذا لروشتة البنك ومساهمة منهم في الهيمنة الأمريكية علي الاقتصاد الدولي، حيث تحقق الولايات المتحدة توازنات اقتصادها علي حساب اقتصاديات الدول النامية ومنها مصر.. فلا نفهم كيف تستصدر الحكومة في سبتمبر 2014 القانون رقم 120 لسنة2014 للحد من المعاشات المبكرة ومضاعفة التكلفة التي يتحملها بالكامل العامل المؤمن عليه لاستكمال المدة المؤهلة لاستحقاق المعاش المبكر، بل وفرض شروط تحول عمليا دون الحق في المعاش المبكر.. ذلك الحق المكتسب منذ عشرات السنوات والذي تزايدت الحاجة إليه بعد أن أصبح العامل مضطرا له وليس راغبا فيه.. ولا نفهم أنه وبعد أقل من 6أشهر علي ذلك تصدر ذات الحكومة القانون 18 لسنة 2015 لقانون الخدمة المدنية في اتجاه مختلف تماما بعمل علي تشجيع وتيسير المعاشات المبكرة للعاملين في القطاع الحكومي فقط دون أية أعباء مالية علي الموظف المؤمن عليه حيث تتحملها الخزانة العامة نيابة عنه فنحن في حاجة ماسة في هذا الوقت بالذات لإدراك الدور الأساسي والفعال لنظام التأمين الاجتماعي في استقرار عباد الله وتمكنهم من الحياة الكريمة وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة.. ويعكس التناقض بين قانون الخدمة المدنية وتعديلات قانون التأمين الاجتماعي عدم التنسيق بين وزارات المالية والتخطيط والتضامن.. وغياب المراجعة الدقيقة لمجلس الدولة الذي يمثله عدد من المستشارين المنتدبين للوزارات المختلفة التي تعمل في جزر منعزلة، وتسابق كل وزير لعرض قانونه لتنفيذ سياساته متجاهلا آثاره السلبية في مرحلة الانتقال إلي الديمقراطية.. ومحاولة خروج مصر من أزمتها الاقتصادية.. ويسارع مجلس الوزراء بعرض هذه القوانين علي الرئيس للتصديق عليها دون أي حوار مجتمعي والنتيجة الرفض الشعبي لهذه القوانين من مجلس النواب، ولا أحد ينكر أن قانون الخدمة المدنية الذي رفضته لجنة القوي العاملة ومن بعدها الجلسة المفتوحة بالبرلمان بالإجماع نظرا للنتائج المتوقعة من تطبيقه علي تسريح 4 ملايين موظف حكومي وما يصاحب ذلك من التأثير علي المركز المالي لصندوق التأمينات الحكومي.. يا سادة إذا كان المتفق عليه الحياة الكريمة من أهم الحقوق العالمية للإنسان كإنسان فيجب أن تكون هدفا لاستراتيجيات وسياسات الدولة خاصة بعد ثورتين من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. والسبيل إلي تحقيق هذا الهدف حتي تكفل هذه السياسات حدا أدني لمستوي معيشة كريم للمواطن المصري واستهدافا لتحقيق الحياة الكريمة لكافة المواطنين دون تمييز، واستنادا إلي مباديء المساواة وحقوق المواطنة.