في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات حاول صديقي وزميلي علي حلبي الشاب الصغير في ذلك الوقت اقناعي أن أشاركه وأصدقاءه وقفة احتجاجية في ميدان التحرير للمطالبة ببعض التغيير ولكني لم أقتنع بما يقول حينها.. وأثناء الحوار في جريدة الأخبار فوجئنا بالشرطة تلاحق المحتجين حتي وصلوا إلي شارع الصحافة بين كر وفر وتولي صديقي الصغير علي حلبي مهمة مرافقتي إلي أقرب محطة مترو للرجوع إلي بيتي وأثناء الرحلة القصيرة حاول حلبي استعراض وجهة نظره وكان يتكلم بحماس شديد يثير الخوف والقلق عليه وأوصيته بالحفاظ علي نفسه وألا يعرضها للخطر بعد أن بدأت الشرطة ملاحقة المحتجين بلا رحمة ولا هوادة ورجعت إلي البيت بعد ساعات في مشوار لا يستغرق نصف ساعة وتابعت الأحداث عبر قناة الجزيرة التي لعبت أقذر دور يمكن أن يلعبه الإعلام في تدمير الأوطان وتأجيج السخط والحنق علي النظام وتشجيع الشباب علي مزيد من التمرد والانفعال وهنا أدركت أن مصر في انتظار حدث جلل ولا أنكر خوفي علي الوطن وعلي صديقي الصغير علي حلبي وأصدقائه ولازمت بيتي رغما عني بعد أن تصاعدت الأحداث وانقطعت وسائل الاتصال وظل الوضع قائما يمر الوقت بطيئا حتي جمعة الغضب التي انقلبت فيها الموازين وتحولت مطالب التغيير إلي مطالب بالرحيل وساءت الأوضاع وأصبحنا أمام ثورة حقيقية بلا قائد أو محرك واضح ومنذ ذلك الوقت سمح لي زوجي بالمشاركة حتي لا أتخلف عن معايشة ورؤية ورصد هذا الحدث الجلل الذي لا يتكرر في عمر الأوطان كثيرا وشاركت في جميع الأحداث والفعاليات وكنت شاهد عيان علي الشرطة وعلي الثوار رصدت أشخاصا وسلوكيات وأفعالا لم أجد لها تفسيرا وقتها ولكن بعد أن تحققت المطالب ورحل مبارك عن السلطة وقفز الإخوان علي الثورة تمكنت من تفسير بعض مما كان غامضا ومتلبسا ولكن صديقي الصغير رفض أن يري بقية الأحداث بعيني الراصدة المحايدة وأخذ طريقا آخر في التفكير والتحليل والسلوك.. ذكريات ستظل محفورة في الذهن والوجدان نحكيها بفخر وشجن علي شهداء ومصابين إنها ضريبة الثورات.