«تقوم الدنيا ولا تقعد» هذه المقولة شائعة في جميع أنحاء العالم لكن مع الأسف ليس في مصرنا العزيزة التي إذا حدث لها مكروه أو حدث جلل تقوم الدنيا ونتصور أنها نهاية العالم وتكثر الأحاديث والمقالات والكتابة الصحفية والمناظرات التليفزيونية، وأسئلة وطلبات إحاطة في المجلس النيابي لكن ينتهي الموضوع ليس كما بدأ لكن علي مافيش وتنتهي الصيحات إلي لاشيء.. كما صمت القبور.
يطبق هذا القول علي موضوع انهيار العمارات التي يتبعها لغو وتصريحات وتبادل للإتهامات بين مختلف الجهات الحكومية وأبطالها القابعين خلف مكاتبهم وهم كل منهم إبعاد الشبهات والتنصل من المسئولية ويكون الجاني هما صاحب العمارة والمقاول الذي بناها عن طريق أشباح هبطوا من السماء، كسروا القوانين وأقاموا الأبراج دون أن يراهم أحد لأنهم عفاريت. والسؤال الخطير هل أقيمت هذه المباني المنهارة علي أساس الارتفاع القانوني إم أن المالك يعلم مقدماً أنه سيخالف وسيعلو بالبناء إلي ضعف أو أكثر من الارتفاع المسموح به؟ وفي هذه الحالة كيف ستتحمل الأساسات الطوابق المضافة، لكن الأغلب أن هذا المالك يعلم أن كل شيء له ثمن وأنه سيعلو ببنايته حسب إمكانياته واتصالاته وطول ذراعه وسعة ضمائر الآخرين ويقوم بتسكين الأدوار المخالفة أولاً ويملكها لأصحاب النفوذ الذين يتولون مواجهة رجال الحي وحتي إذا حدثت الإزالة تكون شكلية.
وفي تجربة شخصية حدثت منذ حوالي عشرين عاماً وتحدث الآن، تملكت شقة في عقار يشمل ٢٦ شقة بالعجمي تدعي سياحية، وهي ليست سياحية ولا يحزنون فهي تشمل ست عمارات علي البحر، لكن ما أسهل الألفاظ والنعوت في بلدنا، فكل مبني وكل مقهي أو سوبر ماركت أصبح سياحياً وإذا كان مستشفي فهو دولي، المهم.. بعد عدة سنوات حدثت تشققات في الأسقف والحوائط والأعمدة وتم إبلاغ حي العامرية وصدر قرار ترميم موجه إلي السيد مأمور قسم شرطة الدخيلة.. مع رجاء تسليم صورة القرار إلي مالك العمارة وأخذ إقرار منه بتنفيذ الترميم خلال المدة المقررة وفي حالة تعذر تسليم القرار للمالك تلصق صورته علي العقار.. والتوقيع «المدير الإداري.. قسم المنشآت الآيلة للسقوط.. الإدارة العامة الهندسية - حي العامرية - الإسكندرية» أما القرار المشار إليه فهو: تبين وجود شروخ بالحوائط والأعمدة والأسقف والكمرات والسلم والفراندات «أي والله» - وبناء عليه قررت اللجنة الكشف وترميم العقار تحت إشراف هندسي متخصص مع التوجيه بإخلاء المبني.. والتوقيع لأسماء ثلاثة مهندسين أعضاء اللجنة مع توقيع رئيس لجنة المنشآت الآيلة للسقوط السيد محافظ الإسكندرية شخصياً، ويذيل القرار بإعلان ذوي الشأن «طبقاً» لمعدل التوزيع.. يعني إيه مش عارف؟! وبعد عدة أشهر تقدمنا بطلب للحي لمعرفة ما تم أفاد بيان الحي بالآتي: تم تحرير مخالفة للمالك لعدم تنفيذ قرار الترميم، وقد أعطي هذا البيان للطالب بناء علي طلبه بعد سداد الرسوم المقررة وقدرها جنيهان وخمسة وخمسون قرشاً بموجب القسيمة رقم كذا.. بتاريخ... وذلك دون مسئولية الحكومة أو الحي أو المساس بحقوق الغير عما ورد من بيانات وتوقيع مدير التنظيم.. وطبعاً لم تحدث أي مبادرة لمدة خمس سنوات، وأعيد طلب التصرف والمتابعة من الحي والمحافظة، وتحدد يوم للمعاينة وذهبنا.. ولم تحضر اللجنة إلا بعد أربعة أيام، ونحن داخل عقار آيل للسقوط في غير موسم المصيف ولم ترد علينا هذه اللجنة وساد الصمت وعدم المبالاة والإهمال والمقامرة بأرواح قاطني أربع وعشرين شقة في عقار آيل للسقوط حسب قرار لجنة يرأسها محافظ المدينة.
وكان لابد من عمل شيء، فقمنا باستدعاء مكتب هندسي عاين المبني وتم الترميم تحت إشرافه علي نفقتنا الخاصة دون مساهمة من مالك العقار أو المقاول الذي خالف ضميره مرتين: الأولي حينما غش في مواد البناء والحديد ما أثمر عن عمارة مبنية من البسكويت، والثانية حينما تهرب من المسئولية وفر بجلده تحت سمع وبصر المحليات ومازال يمارس نشاطه حتي الآن وهو يخرج لسانه للجميع.
هذا هو مثال لدور المحليات.. جوابات وجوابات ولجان ومعاينات صورية كل يعمل لإخلاء مسئوليته بغير ضمير حتي إذا وقع المحظور يرد بقوله أنا بعثت خطابا بتاريخ كذا وعملت اللي عليا.. روتين قبيح واستهتار وموظفون يبدو أنهم مصابون بعرق النساء جعلهم قابعين علي كراسيهم بغير حركة أو نشاط.
لو عرف هؤلاء أنه يوجد شيء يسمي المتابعة الميدانية وضبط المخالفات قبل أن تكون واقعاً ولو عملوا بضمير لما كانت كوارث انهيار العمارات.