ولكن المهم ان نبدأ.. وان نفكر.. وان نتبادل مع الدول الشقيقة الآراء التي تحقق المصالح المشتركة.. والاكتفاء الذاتي من السلع التي نستوردها من دول امريكا اللاتينية
علي الرغم من أن موضوع إقامة سوق افريقية مشتركة لم يكن من القضايا المطروحة في جدول أعمال القمة السادسة والعشرين التي شهدتها العاصمة الاثيوبية اديس ابابا منذ أيام.. الا ان العلاقات التي بدت بين زعماء القارة.. والتحولات السياسية التي يمر بها العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور قوي اقتصادية جديدة بدأت تحل محل القوي العظمي التي سيطرت علي شئون الكرة الأرضية.. في ظل الحقبة الاستعمارية تشير إلي اننا امام عالم جديد يتشكل.. وأمام مرحلة يسودها التعاون وتبادل المصالح.. في إطار المجال الحيوي الذي يربط بين دولي القارة.. وانه قد آن الأوان لاحياء فكرة السوق الافريقية المشتركة. التي كانت مطروحة منذ قيام منظمة الوحدة الافريقية سنة ١٩٦٣.
الفكرة ليست جديدة.. وكانت واحدة من احلام مرحلة الاستقلال الوطني.. ولها بيننا هذه الايام العديد من شهود العيان يتقدمهم السيد محمد فائق.. والسيد حلمي شعراوي.. وغيرهما ممن خبروا اهمية ايجاد آلية افريقية.. تحقق التعاون وتبادل المصالح وازالة الحواجز والعراقيل التي كانت قد وضعتها الدول الاستعمارية السابقة.. قبل ان تحمل عصيها.. وترحل بلا عودة.
نحن الآن أمام مرحلة.. ما بعد الاستقلال.. وانتهاء الحرب الباردة.. وظهور قوي عظمي اقتصادية تتقدمها الصين واليابان والمانيا والهند ودولة الامارات العربية وماليزيا.. وقد آن الأوان لاحياء مشروع السوق الافريقية المشتركة الذي كانت تتبناه مصر خلال الحقبة الناصرية. وتوقف للأسف بعد ما جري في الخامس من يونيو ١٩٦٧. واتصور انه قد آن الأوان لاحياء الفكرة وطرحها علي قادة الدول الافريقية التي يربطها مجال حيوي واحد.. تلعب فيه الجغرافيا والتاريخ المشترك.. الدور الذي يتعين ان تقوم عليه العلاقات الاخوية بين دول القارة.
ومفهوم طبعا ان هذا الحلم لن يتحقق بين ليلة وضحاها.. ولكن المهم ان نبدأ.. وان نفكر.. وان نتبادل مع الدول الشقيقة الآراء التي تحقق المصالح المشتركة.. والاكتفاء الذاتي من السلع التي نستوردها من دول امريكا اللاتينية.. وندفع في مقابلها المبالغ الهائلة التي يذهب جزء كبير منها إلي جيوب السماسرة.. وعصابات تصدير المواد الغذائية علي وجه التحديد.
المرحلة طويلة.. ولنا في تجربة السوق الاوروبية المشتركة «الاتحاد الاوربي الآن».. مثال يمكن أن نحتذيه بإيمان راسخ. في قدرتنا علي الوصول علي ايدي وسواعد اجيالنا القادمة.. لما وصلت إليه دول الاتحاد الاوروبي الآن.
وللسوق الاوروبية المشتركة حكاية تستحق منا الرواية:
فقد بدأت هذه السوق.. بمقتضي معاهدة روما، التي وقعت في شهر مارس سنة ١٩٥٧ اي منذ ٥٧ سنة بست دول فقط هي المانيا الغربية وايطاليا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج.. بعد استبعاد اليونان بسبب تراكم ديونها.. «وهي المشكلة التي لاتزال تعانيها حتي لحظة كتابة هذه السطور».
وتم الاتفاق بين الدول الست الأعضاء علي وضع برنامج للتعاون الاقتصادي التدريجي بين الدول الست في خلال فترة تتراوح بين ١٢ و١٥ سنة تبدأ في أول يناير ١٩٥٨ ويتلخص المشروع في:
١- الغاء التعريفات الجمركية وغيرها من القيود علي التجارة تدريجيا بين الدول الست في فترة ما بين ١٢ و١٥ سنة.
٢- تأجيل تخفيض التعريفة الجمركية مؤقتا.. تفاديا لاية آثار جانبية قد تلقي بآثارها السلبية علي المشروع.
٣- تضع الدول الست في خلال المرحلة الانتقالية مشروعا للتعريفة الجمركية الموحدة لتطبيقه علي الصادرات من دول العالم الأخري.
٤- الغاء القيود علي تحركات العمال والموظفين ورءوس الأموال والمشروعات التجارية بين الدول الست.
٥- ربط المستعمرات والمناطق التابعة للدول الست بالسوق المشتركة.. الا اذا كانت هذه المناطق تقرر خلاف ذلك.
٦- تحريم الاتحادات التجارية الا اذا كانت تساهم في تقدم الانتاج والتوزيع او في التقدم الفني والاقتصادي.
٧- العمل علي تنسيق السياسات المالية والضريبية بين الدول الاعضاء.. واتباع سياسة زراعية مشتركة.
٨- انشاء صندوقين للاستثمار احدهما للعمل في اوروبا.. والآخر يتعلق بالمناطق متابعة من اجل تحويل رءوس الاموال من المناطق الاكثر تقدما.. إلي المناطق الأقل تطورا.. وتطبيق مبدأ المساواة في الاجور عن الاعمال الواحدة بالنسبة للرجال والنساء في جميع بلدان دول السوق المشتركة.
٩- اقامة صندوق للمساعدات الاجتماعية لمساعدة العمال الذين يصيبهم أي اذي او اضرار من التحرر من القيود التجارية.
ولا أود الخوض في تفاصيل المعاهدة.. بيد انني اشرت لاهم الملامح التي يتعين اخذها في الحسبان ونحن ندعو للتفكير في اقامة سوق افريقية مشتركة.. مع الاشارة الي أن شئون السوق المشتركة اسندت بناء علي الاتفاقية إلي:
١- مجلس وزراء السوق الذي يحضره ممثل عن كل دولة ويختص بتنسيق السياسات الاقتصادية العامة للدول الاعضاء وتقرير المسائل المهمة المترتبة علي انشاء السوق.
٢- اللجنة المركزية التي تضم تسعة اعضاء بحيث لا يكون اثنان منهم من جنسية واحدة.. وتختص بالنواحي الادارية وتقديم التوصيات للمجلس.
ويتبع المجلس واللجنة، اربع هيئات اخري هي:
١- اللجنة الاقتصادية. ٢ - اللجنة المالية. ٣ الصندوق الاجتماعي. ٤- بنك الاستثمار الاوروبي.. ويتألف من مجلس المحافظين الذي يضم وزراء مالية الدول الاعضاء.
كانت هذه هي البداية التي انطلقت منها فكرة السوق الاوروبية.. التي قربت المسافات بين الدول الاوروبية الكبري.. وحققت العديد من الانجازات علي المستويين السياسي والاقتصادي.. قبل ان تتحول الآن إلي ما يسمي بـ«الاتحاد الاوروبي».
ولا اذيع سرا الآن عندما أقول ان فكرة اقامة سوق افريقية التي انطلقت من اديس ابابا سنة ١٩٦٣.. كانت في جوهرها محاولة من جانب الدول الافريقية.. لاقامة منظمة اقتصادية افريقية علي النمط الاوروبي.. وعلي نمط السوق الاوروبية المشتركة علي وجه التحديد.
السخيف في الموضوع.. انه في الوقت الذي قطعت فيه الدول الاوروبية أشواطا بعيدة في تحقيق تقاربها الاقتصادي.. تراجع حماسنا.. في مصر تجاه قضايا القارة الافريقية.. بعد الذي جري في الخامس من يونيو ١٩٦٧.. وانشغل الرأي العام في بلدنا بقضية تحرير سيناء من قبضة الاحتلال الاسرائيلي الذي حاول بكل ما لديه من مساندة امريكية.. ترسيخ الامر الواقع لتصبح سيناء بمرور الوقت.. موطنا لتهجير الفلسطينيين.
وتشاء الاقدار ان يتراجع اهتمامنا بافريقيا مع بداية ثمانينيات القرن الماضي.. بسبب غياب الرؤية السياسية لموقعنا الجغرافي.. في ذهن حكامنا.. ويصبح اهتمامنا بافريقيا علي غير ما كان ينبغي.. إلي أن وصل بنا الحال إلي حد الغاء علاقتنا بافريقيا.. في لحظة غياب عن الوعي لوزارة الري.
الآن.. وبعد ثورتين شعبيتين مجيدتين حان الوقت لتصحيح هذا الوضع.. وان تتبني مصر بقيادة الرئيس السيسي احياء مشروع السوق الافريقية المشتركة!