أذكر ويذكر كل عربى، وكل أفريقى، وكل مسلم أننا جميعا تابعنا بكل حواس اليقظة والاهتمام تطورات المعركة الانتخابية الرئاسية التى جرت فى أمريكا منذ ما يقرب من ثمانية أعوام، وتمنينا ودعونا الله وقتها أن تحدث المفاجأة المنشودة وينجح ذلك الشاب الأسمر «أوباما» فهو الأقرب إلينا أصلا بجذوره الافريقية، واعتقادا ببداياته الإسلامية، ولونا بالسمرة أو بالسواد.. ثم انتشينا وهللنا عندما فعلها أوباما وصار بالفعل رئيسا للدولة المتربعة على عرش العالم والتى بالتالى تملك معظم المفاتيح لكل القضايا الاقليمية والدولية، وفى غمرة سعادتنا تجاهلنا لدرجة التعمد ما هو معروف عن سياسة أمريكا التى تقوم على حساباتها الخاصة، ومصالحها المباشرة حتى لو كانت على جثة أقرب الأقارب لها، وبنفس المشاعر المتفائلة الطيبة رحبنا بقراره - أو رغبته - فى أن يزور مصر ويتحدث للأمة العربية والإسلامية من «جامعة القاهرة»، ولم تهتز سعادتنا به عندما تسللت إلى خطبته المعدة باحترافية دقيقة كلمات تكشف جانبا من فكره ورؤيته ومغازلته للإسلام السياسى، ذلك لأننا كنا أسرى للاعجاب به والثقة فيه، ولكن سرعان ما أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فاكتشفنا أن من تحمسنا له، ورحبنا به جاء بمخطط جاهز عمل عليه من سبقوه إلى البيت الأبيض وهو مخطط «الشرق الأوسط الجديد» الذى يستهدف تمزيق وتفتيت دولنا العربية حتى تتحول إلى دويلات وكنتونات هزيلة تشتعل فيها الصراعات المذهبية والطائفية لتنكفئ على وجهها لا حول لها ولا قوة، ولا تملك إلا الانبطاح تحت أقدام واشنطن وتل أبيب، والمعروف أن مصر هى الجائزة الكبرى التى بسقوطها يتوالى سقوط وانهيار الدول العربية، إلا أن شعبنا العظيم أطلق «ثورة يونيو» المبهرة، واحتضنها جيشنا العظيم، ولم يحتمل «الأخ أوباما» صدمة سقوط «الاخوان» الذين بنى عليهم حساباته وتم الاتفاق معهم مسبقا على التعاون لدرجة التنازل عن مساحات كبيرة من سيناء لتنضم إلى «غزة» فى كيان واحد بديل للدولة الفلسطينية وبذلك يتم الاجهاز نهائيا على القضية الفلسطينية، وترتاح إسرائيل وتتفرغ لاستكمال مشروعها الاستيطانى بما فيه ابتلاع القدس وما يتبقى من الضفة الغربية.
ولم يكن مفاجئا أن يظهر الوجه القبيح الحاقد لسياسته، فأطلق الاتهام بأن ثورة يونيو ما هى إلا ا نقلاب عسكرى، ثم بدأ حصار مصر اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وأوقف حصولنا على ما نصت عليه الاتفاقات من أسلحة وطائرات حتى نعجز عن مواجهة التنظيمات الإرهابية التى خرجت من رحم الإخوان، لكن مصر - بدلا من أن تتمزق وتسقط فريسة لحرب أهلية - نهضت وحققت «خارطة الطريق» واستعادت دورها المحورى عربيا وافريقيا ودوليا، مما ضاعف من مشاعر خيبة أمله خاصة بعد أن لاحقته تهمة الفشل داخل أمريكا وخارجها. وقد يسأل سائل: لماذا أعود للتحدث عن أوباما.. والفجوة الهائلة بين توقعاتنا منه يوم دخل البيت الأبيض، وما رأيناه.. وعانيناه من سياساته؟؟
والإجابة هى: ببساطة ما نعيشه هذه الأيام فى متابعة أخبار الانتخابات التى يخوضها المتطلعون لرئاسة أمريكا، إذ يبدو أننا نتأهب لتكرار ما يجسد سذاجتنا وطيبتنا، فنتصور أن السباق الانتخابى التقليدى بين «الحمار» و«الفيل» يمكن أن ينتهى بفوز من يحترم حقوقنا واتفاقنا الاستراتيجى، ويتخلى بالتالى عن المخططات التى نهشتنا أنيابها السامة فى العراق وسوريا وليبيا والصومال، وبسذاجتنا التقليدية نتابع باهتمام الماراثون الانتخابى الذى يحدد من يخوض السباق النهائى من مرشحى الحمار «الحزب الديمقراطى» والفيل «الحزب الجمهورى»، فنجد بيننا من يتمنى فوز «هيلارى كلينتون» لأنها اختلفت مؤخرا مع سياسة أوباما ولأنها على الأقل «واحدة ست» ربما قلبها «يرق» ويحنو علينا، وهذا آخر يتابع أخبار «الفيل» ويدق قلبه رعبا وقلقا خشية أن ينجح ذلك الجمهورى المصارع المتهور «ترامب» أشد أعداء المسلمين!! ثم تتجه الأنظار صوب «تيد كروز» غريب الأطوار وا
وهذا من يفضل «بن كاريون» الذى يتبنى سياسة الفيل (الجمهورى) فى مواجهة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ويرى أن «الإخوان» تنظيم إرهابى!
>>>
هكذا تشتعل المنافسة الانتخابية الأمريكية، وتشتعل سذاجتنا فى المتابعة والقلق، والتمنى بأن ينجح من يكون أقرب الينا من حزب «الحمار» أو حزب «الفيل» وكعادتنا ننسى ونتجاهل الحقيقة التى تقول إن السياسة الأمريكية البراجماتية لا تخضع لمشيئة وإرادة من يدخل «البيت الأبيض».. لان قراره لابد أن يعبر من «البيت الأكبر» وهو «الكونجرس» الذى يتبنى السياسة الأمريكية التى تحقق أهدافها ولو على جثة الأصدقاء والشركاء، ولعلنا لا ننسى ما فعله «أوباما» وما أعلنته «السمراء كونداليزارايس» عن الفوضى الخلاقة!!