المتابع للشأن البريطاني عموما، ومجلس النواب المصري (الشعب سابقا)، يتأكد له من أول وهلة أن البرلمان سواء أكان للنواب أم للشعب، يعيش حالة غريبة من الارتباك، لم يشهدها من قبل. ويبدو أن السبب الحاسم في هذا الأمر هو أن الأيدي الخفية التي أسميتها في هذا المكان بفضيحة «محلب جيت»، التي كونت هذا البرلمان ابتداء من مشروعات القوانين الفاسدة مرورا باعداد القوائم الحكومية ونهاية بأسلوب الانتخابات علي مرحلتين وعلي يومين، فأسهمت جميعها في تكوين برلمان مزيف ومزور، هي ذات الأيادي التي مازالت مصرة علي إدارة شئون البرلمان من الخارج، وباعتراف الكثير من أعضائه في أحاديث مختلفة، وفقا لحسابات السلطة ومراكز القوة في المشهد، وشبكات المصالح التي فشلت الثورتان (٢٥ يناير - ٣٠ يونيو) في تفكيكها وتقويضها بكل أسف.
فقد مر حتي الآن أكثر من شهر، ولم ينجز البرلمان شيئا سوي تكوين لجان مؤقتة!! واقرار قوانين الفترة الانتقالية التي صدرت في ظل عدم وجوده، ويعمل في اعداد لائحته، وأغلقت اللجان المؤقتة أبوابها بعد انتهاء المهمة الموكولة لها وهي اقرار القوانين الانتقالية وأظهر البرلمان قوته في عدم الموافقة علي قانون الخدمة المدنية!! بينما أقر بالموافقة علي قانون عدلي منصور لتقنين الفساد بقصر الطعن علي العقود الحكومية علي أطراف العقد، واستبعاد الشعب من حقه الطبيعي في الرقابة عليها!! علما بأنني مع آخرين قد تمكنا من استعادة (١٠) شركات من اللصوص التي بيعت لهم من الحكومات المباركين، بأبخس الأثمان، وماطلت حكومات ما بعد الثورة في تسليمها وتشغيلها ومازال الفساد يعشش فيها، ومازالت قيادات الشركات القابضة فوق الثمانين عاما!! والمفروض أنه بعد الثورات تخرج القوانين لمواجهة الفساد وبحسم، وليس لتقنينه كما حدث في قانون منصور لحماية الفساد والفاسدين بكل أسف!! فبماذا يوصف هذا البرلمان العجيب؟!
ان مكاسب الشعب في كل التجارب الانتخابية بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م إلي آخر انتخابات برلمانية (ديسمبر ٢٠١٥م)، كبيرة ولا يعرفها إلا من عايش التجارب الانتخابية قبل الثورة وبعدها، واشتبك معاها، ولها حديث مفصل لدعم ثقة الشعب في نفسه بعيدا عن مسلسل احباطه، ولكنها ضئيلة إلي جانب تكوين مؤسسات ومنها البرلمان تعمل بنظام «الريموت كنترول»، أي عن طريق قوي خارج البرلمان.
فقد اجتمع البرلمان يوم الأحد الماضي ٧ فبراير ٢٠١٦م، لاقرار والتصديق علي مضابط الجلسات السابقة ومن بينها رفض قانون الخدمة المدنية لتسهيل مهمة الحكومة في اجهاض هذا الرفض وإعادة القانون في صيغته المعدلة في أول جلسات البرلمان القادمة، والنظر في طلبات اسقاط العضوية انتهت إلي تفويض مكتب المجلس المكون من الرئيس والوكيلين للنظر فيها بعيدا عن رقابة البرلمان كله، ثم النظر في مناقشة تقرير الفساد الذي أصدره هشام جنينة، وتم الرد عليه بتقرير آخر، ونتيجة اصرار الغالبية، فسيتم تشكيل لجنة للنظر في الموضوع!! ولعل ما أذكره هنا، أن تحليل أسلوب إدارة موضوع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المحسوب علي الاخوان والمعين من مرسي، يفضي إلي أنني لم أري أسوأ من هذا الأسلوب الذي يتسم بالتردد والبطء والمناورة مع الاخوان، وهو من داعمي السيسي والنظام في مواجهة رئيس الجهاز المتعجرف والذي بوجوده في هذا المكان طيلة السنوات السابقة خاصة بعد ٣٠ يونيو، تضمن جماعة الاخوان أفضل مصادر المعلومات للتشهير بنظام ما بعد ٣٠ يونيو!! أمر عجيب ومحير، ولم أري حسما في هذا الموضوع، وهو امتداد لنفس نظام مبارك الذي كان يتسم بالبطء حتي التردد، واساءة توظيف عنصر الوقت، وهو الحادث الآن، حيث يصدر القرار متأخرا! كما أنتج البرلمان لجانا مؤقتة وضع علي رأس إحداها صاحب اللسان السليط علي كل البشر، ورجل يتجاوز السبعين علي رأس لجنة الشباب!! الأمر الذي يؤكد إدارة المجلس من الخارج لاشاعة الفوضي، واعطاء رؤوس موضوعات لاستهلاك الوقت في الفضائيات، للتفرغ في إدارة المشهد وفقا لما تهدف القوي المضادة للثورتين ولتحقيق مصالحها.. لقد نصحنا بضرورة اعداد لائحة للمجلس قبل انعقاده، وله الحق في تعديلها بعد ذلك، والاسراع باقالة الحكومة وطرح رئيس الحكومة واعضائها علي البرلمان للحصول علي الثقة، والبدء في ممارسة أعمال الرقابة والتشريع الحقيقيين لنعرف هذا المجلس علي حقيقته من واقع مخرجاته. إلا أن المراقب يري ان عنصر الوقت ليس له قيمة، والمجلس لن يتمكن من ممارسة دوره الحقيقي.
وللحديث بقية يا سادة!!
وما زال الحوار متصلا.