يتعجب البعض من ظاهرة الألتراس والبعض الآخر يصنفهم كفئة مشاغبة تجنح للعنف وأقرب إلى البلطجة والعصيان.. ولم يحاول أحد أن يتعرف عليهم عن قرب أو يدرس ما الذى يحركهم وما الذى يفرحهم وما الذى يضايقهم أو يحزنهم...
إن قطاعا كبيرا من شباب الجامعات أو شباب الألتراس يقال لهم اليوم: «لا دخل لك بالسياسة ولا دخل لك بالدين وخلطه بالسياسة وأخيرا ببساطة... لن تستطيع أن تذهب لمشاهدة مباريات فريقك الرياضى وآخرتك إنك تحضر تمرينات الفريق فى ناديك...
معظمهم لا يملك المال اللازم للخروج إلى المقاهى أو دور السينما أو المطاعم أو النوادي... فماذا هم بفاعلين؟ وأين يخرجون طاقتهم؟ ولا يخفى على أحد ضعف سوق العمل حاليا واستحالة الحصول على فرصة عمل دون واسطة ولا معرفة حتى إن الكثير من الشباب اليوم قد فقد الأمل فى قدرته على الزواج وتكوين عائلة صغيرة يفرح بها... لأنه لا يجد فرصة العمل التى تؤهله لهذا المشروع وإن وجدها فهى لا تكفى لتنفيذ هذا المشروع دون مساعدة الأهل الذين قد يحتاجون إلى من يعولهم اصلا!
ببساطة شديدة الشباب فى حالة من السخط والإحباط واليأس... وحتى هوايتهم الوحيدة وهى الذهاب إلى المباريات الكروية وتشجيع فريقهم أغلقناها عليهم... فهل يجوز هذا؟.كل ما نفعله هنا هو دفعهم إلى العنف والتطرف بعد أن أغلقنا امامهم كل المنافذ السوية للتنفيس عن النفس والاستمتاع البسيط. بل أن ما نراه من ظواهر بغيضة على مجتمعنا من تحرش ومعاكسات إنما هو انعكاس لهذا اليأس والإحباط. وحتى مبادرة الرئيس لتوفير القروض للشباب اتوقع أن تفشل أذا ترك تنفيذها لقوى البيروقراطية المصرية العتيدة التى تنتصر دائما على كل خيال ومغامرة ونجاح!
فما العمل إذن؟... الحل يكمن فى التفاهم والتنسيق مع الداخلية لإرجاع الجماهير إلى مباريات الدورى والكأس وزيادة الندوات الثقافية وحتى السياسية فى الجامعات والنوادى دون خوف أو قمع. ومن الضرورى كذلك زيادة الساحات الرياضية ومراكز الشباب فى المناطق الأكثر عشوائية وكثافة مع تطوير المنشآت الموجودة حاليا واعداد وتأهيل مدربين متخصصين فى جميع المجالات قادرين على التعامل الواعى مع هؤلاء الشباب داخل هذه المراكز لاحتواء الشباب بشكل سليم من الناحية الرياضية والثقافية واحتواء طاقاتهم وتعود مراكز الشباب لدورها الأساسى فى إتاحة الفرصة للجميع لممارسة الأنشطة بأجر رمزى وإنتاج أبطال رياضيين فى كل الألعاب. وأرى انه يمكن للقطاع الخاص المصرى أن يساهم فى هذا بعيدا عن الدولة التى مطلوب منها فقط توفير الأراضى اللازمة لذلك!
كما لا يجب ان نستمر فى اغفال دور الثقافة الهام فى استيعاب طاقة هؤلاء الشباب الذهنية والاستثمار الإيجابى لأوقات فراغهم بل وأيضا فى تنمية مجتمعنا بشكل عام. فاين هى المكتبات العامة وكم عددها فى كل محافظة وكل مدينة ومركز؟. ان المكتبات العامة تقدم خدماتها لكل فئات المجتمع دون تمييز ودورها عظيم اذا احسن استغلاله فى تنوير وتثقيف المجتمع بشبابه وشيوخه وهى مكان مثالى ومبهج لقضاء وقت الفراغ اذا طورنا المكتبات وزودناها بكل وسائل المعرفة والتكنولوجيا الحديثة والخدمات. وأؤكد هنا على أهمية ان تكون هناك قاعة مكتبة مجهزة داخل كل مدرسة فى كافة مراحل التعليم ليتعود شبابنا منذ نعومة اظافرهم على أهمية القراءة والبحث والاطلاع والا سقطوا فريسة فى أيدى أصحاب العقول المتحجرة السائرين للخلف.. الكارهين للحياة وللتقدم.
ومن الضرورى كذلك فتح مجالات العمل التطوعى فى مجالات العمل الاجتماعى والخيرى للشباب مقابل مكافآت بسيطة مثل تطوير العشوائيات والنظافة... والأهم من ذلك كله هو تشجيع الشباب على العمل الحر وذلك بتوفير بعض الأفكار وتوفير التمويل اللازم لها دون وضع شروط يصعب على الشباب الوفاء بها!
لا تلوموا الشباب ولا الألتراس لو ظل الوضع على حاله... فاللوم كله يقع علينا جميعا وعلى جيلنا الذى لم يفعل شيئا للقضاء على إحباطهم.