بدأت الأحداث باعتداء بعض أمناء الشرطة علي ثلاثة أطباء في مستشفي المطرية، ورأت النقابة أن تتدخل لصالح أبنائها، وهذا شيء منطقي. كان أمام النقابة بديلان، الأول : هو الحل الودي مع الجهات المعنية، والثاني : هو جمع الجمعية العمومية والقيام برد فعل قوي، واختارت النقابة الحل العنيف، لعدة أسباب، أولها : إظهار مجلس النقابة أمام الأطباء بمظهر من لايفرط في حقوق أبنائه، وثانيها: تخويف الشرطة من تكرار الاعتداء علي أي طبيب، وثالثها : إظهار الداخلية أمام الرأي العام بمظهر المعتدي علي الحريات، وهذا يرضي أعضاء النقابة الإخوانيين، حتي يعرفوا أنهم ليسوا وحدهم الذين يعارضون الدولة. وفي رأيي أن النقابة رغم كل هذا لايقع اللوم عليها، بل يقع اللوم علي الشرطة التي بدأت بالخطأ، فكان تصرف الأطباء في النهاية مجرد رد فعل عنيف.
انتقاد بعض الإعلاميين النقابة لأنها سمحت للمعارضين بالظهور في جمعيتها العمومية، حيث رأينا فيها : حمدين صباحي، ممدوح حمزة، جميلة إسماعيل، وخالد علي. وأري أن حضورهم ليس مستغرباً، فالنقابة تريد من يتضامن معها، والمعارضة تستمد شرعيتها من الاحتجاج علي أخطاء النظام، والسياسة مثل لعب الكرة، كلما كانت لديك ثغرة فلابد أن يستغلها خصمك لتسجيل هدف لصالحه. لذلك كان من الطبيعي ظهور النشطاء السياسيين بهدف إحراز هدف في مرمي الحكومة.
ليس معني ماسبق أن النقابة كانت علي حق في كل مافعلته، بل أري أنها تجاوزت كثيراً، وأول تجاوزاتها يتعلق بمافعله بعض أعضاء الجمعية العمومية المتجمهرين أمام النقابة بشارع القصر العيني، والهتافات التي أطلقوها، واللافتات التي رفعوها، والتي كان أكثرها بعيداً تماماً عن موضوع الاحتجاج علي تصرفات الشرطة مع زملائهم، ووصل الأمر بإحدي هذه اللافتات أن طالبت بمحاكمة الرئيس، ولاشك أن النقابة مسئولة عن هذا، لأن الجمعيات العمومية لاتتم في الشوارع، بل في قاعات محددة، ليتمكن القائمون علي التنظيم من جمع توقيعات الحاضرين، والتأكد من قانونية حضورهم، وقانونية الانعقاد، فضلاً عن اشتراك الجميع في المناقشات والتصويت علي القرارات، وأنا أتساءل : كيف وافق الواقفون في الشارع علي القرارات التي قيل إنها كانت بالإجماع ؟
تجاوزت الجمعية العمومية أيضاً حين اتخذت قراراً بـ « امتناع الأطباء بالمستشفيات العامة والمركزية والمراكز والوحدات الصحية، والمستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي والمؤسسة العلاجية وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة، عن تقديم أي خدمة طبية أو فحوصات أو عمليات مقابل أجر، علي أن يتم تقديم جميع الخدمات والفحوصات الطبية لجميع المواطنين مجانا دون تحصيل أي رسوم تحت أي مسمي « هذا القرار ليس من سلطة النقابة، لأن تنظيم العمل بمؤسسات الوزارة، خصوصاً في جوانبه المالية، يخضع من الناحية القانونية لقرارات وزيرالصحة، وإصدارالنقابة لهذا القرار تجاوز للقانون واعتداء علي سلطات الوزير.
أرادت النقابة أيضاً تخويف وزير الصحة فأصدرت قراراً بإحالته للجنة التأديب وطالبت بإقالته، وهذه ليست أول مرة تحيل النقابة وزيراً للتأديب، وأخشي أن تعلن النقابة في جمعيتها القادمة نفسها دولة مستقلة ذات سيادة.
ومن تجاوزات النقابة أيضاً إصدار بيان بتوقيع الدكتور خيري عبد الدايم نقيب الأطباء، والدكتور عبد الفتاح رزق الأمين العام للنقابة يطالب بإقالة المحافظ، مدير الأمن، مأمور القسم، رئيس المباحث، وكيل أول وزارة الصحة بالمحافظة، ومدير المستشفي، لتقصيرهم وتقاعسهم عن منع حدوث الاعتداء علي الأطباء. ماهذا ؟ لماذا لانقوم بحل الدولة نفسها لأن بعض أمناء الشرطة اعتدوا علي ثلاثة أطباء ؟ المفروض أن كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه، فهل رد الفعل هنا مساوٍ للفعل؟ أم أن الهدف هو إثبات قوة النقابة في مواجهة الدولة؟