كأنما التاريخ يجود لنا بدرس يتماثل مع الواقع المصرى بكل جوانبه بشكل فريد،فالخروج الآمن من التحديات الحالية على اختلافها فى مصر كان أملا يحدو الكوريين لفترة ليست بالقصيرة فى التاريخ الكورى الحديث. التجربة الكورية الناجحة بكل مفرداتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية صالحة لأن تكون دليلا لخارطة طريق مستقبل مصر وارى ان زيارة الرئيس السيسى التاريخية لكوريا غدا سيكون لها عظيم الاثر فى استلهام الحلول من التجربة الكورية.. لا ابالغ ان قلت لكل سؤال فى مصر الآن إجابة فى التجربة الكورية.. كثيرا من الباحثين والمهتمين بالتجربة الكورية بشكل عام وبشكل خاص فى مصر والبلاد العربية يمنحون جل اهتمامهم بالجانب الاقتصادى فى التجربةالكورية لعظم ومقدار نتائجه المبهرة لكن لم يتم بنفس الشكل أو بمقدار أقرب لذلك بالتجربة الكورية ككل دونما اجتزاء وهى التجربة الثقافية، السياسية،الاجتماعية، الامنية والاقتصادية الكورية. اتحتل كوريا موقعا «جيوسياسى» مؤثرا سلبا بقوة وايجابا بشكل فعال ايضا مماثلا لدرجة ما الذى تحتله مصر فأثرت الجغرافيا فى علاقتها الدولية بشكل عميق وجعلها مطمعا لجيرانها على مر العصور فمن جهة اليابان والأخرى الصين والثالثة روسيا وامتداد الثانية والثالثة الآن كوريا الشمالية - عانت كوريا ليس فقط من قلة الموارد الطبيعية بل من ندرتها اى بدرجة أقصى بكثير من عجز بعض الموارد الطبيعية التى تعانيها مصر الآن - عانت كوريا ايضا من الاختلاف الايديولوجى الطاحن فبعد استقلال كوريا من الاحتلال اليابانى واجهت حربا أهلية طاحنة كانت لها تبعاتها السياسية والايديولوجية العميقة فكان هنالك اختلاف جذرى بين اليمين المحافظ واليسار الاشتراكي، اختلاف سياسى يشبه إلى حد كبير ما تعانيه مصر الآن من مشاكل الاسلام السياسى والاستقطاب الأيديولوجى مع اختلاف بين التجربتين متمثل فى التهديد الوطنى الذى لعبه اليسار على اساس استجلابه للأجندة الخارجية - عانت كوريا من تحول ديموغرافى كالذى تعانى مصر منه الآن حيث عندما بدأت كوريا فى صراعها مع تحدياتها الاقتصاديةوالاجتماعية كان الانفجار السكانى قد أخذ مقعده فى هذه الرقعة الجغرافية الضيقة فيتماثل التحدى هنا مع مصر بشكل يكاد يكون متطابقا من حيث الكيف، فزاد السكان فى كوريا الجنوبية بمقدار النصف تقريبا فى غضون أحدى عشرة سنة فقط من ٢١.٥ مليون نسمة إلى ٢٩.٢ مليون نسمة فيما بين ١٩٥٥ إلى ١٩٦٦ وبلغت الزيادة السكانية أكثر من الضعف فى عام ١٩٨٩ حيث بلغ التعداد السكانى تقريبا ٤٣.٢ مليون نسمة فكان التعاصر قائما فيما بين البناء الاقتصادى والزيادة السكانية وإن كانت العلاقة فيما بينهما كانت تسير بشكل عكسى أى كلما زاد معدل النمو الاقتصادى قل معدل النمو السكاني، حالها كحال معظم البلاد المتقدمة - لعب الجيش الكورى دورا محوريا فى تأسيس كوريا الحديثة اقتصاديا وبشكل أو بآخر اجتماعيا وسياسيا فعبر بها إلى الشاطئ الآمن فى وقت كانت فيه مهددة وجوديا، التماثل هنا مع دور الجيش المصرى يتمثل فى أن الأخير اخذ على عاتقه مهمة العبور بمصر فى هذه المرحلة الحالكة لكن لا يعنى هذا التشابه هنا التطابق فالكثير فى كوريا يتحفظ على ذلك الدور بالرغم من ايجابيته التاريخية فى الكثير من المناحى على خلاف غالبية الشعب المصرى والتفافه حول جيشه والانتظار منه الكثير - تولى قيادة كوريا من كان الرئيس جمال عبد الناصر مثله الأعلى وشبيهه فى الادارة الاقتصادية لمصر الآن الرئيس السيسى وهو الرئيس بارك تشونج هى (فريق أول فى الجيش الكوري) من عام ١٩٦٢ إلى ١٩٧٩ بعد ان قاد تحولا فى الحكم عن طريق الجيش وسرعان ما تحول إلى رئيس منتخب فى العام التالي، لقد كان الرئيس بارك يتحسس خطوات الرئيس عبد الناصر فكان يقرأ بصفة شبه دورية عن طريقة إدارة وانجازات الرئيس عبد الناصر الاقتصادية بالأخص الصناعية منها، فيعد الرئيس بارك المؤسس الحقيقى لكوريا الحديثة فقد كان صاحب رؤية ثاقبة فى تنمية الاقتصاد الكورى حيث اتبع «سياسة التصنيع للتصدير»، لقد تميز الرئيس بارك فى ادارته الاقتصادية لكوريا عن طريق اتباع منهج مبتدع غير المتعارف عليه فى بقية الدول حتى المتقدم منها. فتم تصنيف ادارته الاقتصادية بأنها ادارة مدير تنفيذى وليس رئيس جمهورية يتصرف على اساس سياسى حيث كان يتابع كل التفاصيل بنفسه ويقوم بعقد اجتماعات للشركات والمؤسسات الحكومية وحتى الخاصة بصورة دورية. وفى هذا الشأن تشابه فريد ايضا بين إدارة الرئيس السيسى للمسائل الاقتصادية حيث مراعاة الرئيس ادق التفاصيل لتعظيم الاستفادة بأقل تكلفة ممكنةوهذا المنهج كان يتبعه الرئيس بارك.
هنالك شبه اتفاق عام فى كوريا على براعة وفضل الرئيس بارك فى نهضة وبناء كوريا الحديثة المتطورة لكن توجد حالة من شبه انقسام على ادارته السياسية لكوريا، حيث الجبهة المناهضة له تصف فترة حكمه بالعوز للديمقراطية
فهذا هو التاريخ الكورى القريب الأحداث الذى تتماثل مفرداته إلى حد كبير مع الواقع المصرى خرجت كوريا من نفقه الحالك بكل هدوء
وفى الجزء الثاني: نتناول كيفية الخروج الكورى الآمن وتحقيق معجزة هى حلم لمصر.