المشير الجمسي مهندس حرب أكتوبر 2012- م 01:42:35 الجمعة 05 - اكتوبر ارتبط اسمه بانتصار أكتوبر وبطولات حرب الاستنزاف فكلما ذكرت حرب أكتوبر نما إلى خاطرنا رجل عظيم وقائد محنك شارك هو وأقرانه في كتابة تاريخ وأمجاد العسكرية المصرية بحروف من نور. تجرع مرارة الانكسارات وذاق روعة الانتصارات.. شارك في معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية وحروب 48 و67 والاستنزاف ثم الانتصار الخالد في حرب أكتوبر المجيدة. ولد المشير محمد عبد الغني الجمسي في عام 1921 في قرية البتانون بمحافظة المنوفية لأسرة ريفية كبيرة العدد فقيرة الحال وكان والده فلاحا بسيطا، وكان هو الوحيد من بين أفراد الأسرة الذي تلقى تعليمه قبل أن تعرف مصر مجانية التعليم الثانوي حينما سعت حكومة النحاس لاحتواء مشاعر الوطنية التي سيطرت على الشعب المصري في هذه الفترة، ففتحت ولأول مرة أبواب الكلية الحربية لأبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة التي كانت محرومة منها. دفعة عبدالناصر التحق الجمسي في سن السابعة عشرة بالكلية الحربية مع عدد من أبناء جيله وطبقته الاجتماعية البسيطة الذين اختارهم القدر لتغيير تاريخ مصر، حيث كان من جيله جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وصلاح وجمال سالم، وخالد محيي الدين وغيرهم من الضباط الأحرار. وتخرج عام 1939 والتحق بسلاح المدرعات، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية ألقى القدر بالجمسي في صحراء مصر الغربية حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل وكانت تجربة مهمة ودرساً مستفادا استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما ، حين أتيح له الاستفادة منها في حرب أكتوبر. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واصل الجمسي إشباع طموحاته العسكرية فتلقى عدداً من الدورات التدريبية العسكرية في الكثير من دول أوروبا الشرقية وأمريكا ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية ثم مدرسا بمدرسة المخابرات وتخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل حيث تخصص وبرع في مجال الصراع العربي الإسرائيلي وقضى فيه عمره كله الذي ارتبطت كل مرحلة فيه بجولة من جولات هذا الصراع منذ حرب 1948 ثم 67 وحتي 1973 وحتي بعد ان اعتزال الحياة العسكرية ظل مراقبا عن قرب ومحللا للصراع المحتدم وكان على يقين وإيمان بأن حرب أكتوبر ليست نهاية الحروب وأن حربا آخرى قادمة لا محالة. حكاية الكشكول لم يدخر المشير الجمسي جهداً ولم يضيع وقتا فأخذ يستعد لمعركة الكرامة وساعة الحسم مع العدو الصهيوني فعندما تم تكليفه بالمشاركة مع باقي القادة بإعداد خطة المعركة أخذ يستدعي مخزون معرفته فكان حريصا على جمع ورصد وتحليل كافة المعلومات عن العدو وبدأ بتدوين ملاحظاته و تحركات الجيش الصهيوني وتوقيتات الحرب المقترحة وكيفية تحقيق عنصر المفاجأة وللحفاظ على السرية التامة وزيادة فى الحرص وحتى لا يشك أحد.. دون كل هذه المعلومات السرية في الشئ الذي لا يمكن أحد أن يتصوره، فقد كتب الجمسي كل هذه المعلومات في كشكول دراسي خاص بابنته الصغرى فلم يطلع عليه أو يقرؤه أحد إلا الرئيس المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد خلال اجتماعهما لاتخاذ قرار الحرب. واختار القائد المصري المحنك توقيت الحرب بعناية بالغة الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من اكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان 1393 ، وهو أنسب توقيت ممكن للحرب نظرا لأن الشمس في هذا التوقيت سوف تكون في ظهر الجنود المصريين والعكس سوف تكون في وجه الإسرائيليين واختار هذا اليوم لوجود 8 أعياد يهودية وموافقته لشهر رمضان ولأن التنسيق بين الجيشين المصري والسوري كان من أصعب مهام الحرب ويحتاج الي قائد من طراز فريد، لم يكن هناك افضل من الجمسي لتكليفه . دموع الجمسي كانت اصعب اللحظات التي عاشها الفريق في حياته ودفعته لأول مرة في حياته أن يبكي! كان ذلك في يناير 1974 عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسنجر ليخبره بموافقة الرئيس المصري على انسحاب اكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس فرفض الجمسي بشدة، اتصل بالسادات، الذي ما كان منه إلا أن أكد له موافقته ليعود رغما عنه إلى مائدة المفاوضات يقاوم الدموع ثم لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء متواريا وذلك حزنا علي نصر عسكري ودماء الشهداء التي ضيعتها السياسة على موائد المفاوضات. وكانت المفاجأة لهنري كسنجر ان يري دموع الجنرال الذي كثيرا ما أسر له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه اكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين علي مستوي العالم. خرج المشير الجمسي من الحياة العسكرية لكنه ظل محتفظا بالتقاليد العسكرية الصارمة التي تتصف بالالتزام والانضباط وظل بعيدا عن الاضواء الي ان بدأت موجة الكتابة عن الحرب تنتشر في مختلف انحاء العالم، و بدأت تظهر المعلومات عن الدور العظيم لهذا القائد في الحرب وتعددت معها الالقاب التي اطلقت عليه فكانت تعقد المقارنات بينه وبين الجنرال الالماني الأشهر روميل فسمي "ثعلب الصحراء المصري" ونظراً لبراعته في قيادة معارك الصحراء ولقب "بأستاذ المدرعات" التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية. اما احب الالقاب الي قلبه فكان "مهندس حرب أكتوبر" نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به، إلا أن اغرب الالقاب التي اطلقت على المشير الجمسي فكان ذلك الذي اطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل إبان حرب اكتوبر حين وصفته به "الجنرال النحيف المخيف". مخلص احمد محمد الجمسي الاكاديمية البحرية- الاسكندرية