إنهــا مصـــــــر

«الصلح الكاذب!»

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

لا توجد دولة فى العالم تتصالح مع جماعات تقتل وتخرّب وتتآمر، وإلا أصبحت جمهورية موز، ولا توجد دولة تحترم نفسها تقبل تفصيل نظامها السياسى على مقاس جماعة بعينها، فالمفترض أن تدخل الجماعات والفئات تحت عباءة الدولة، ولا تدخل الدولة تحت عباءة أى جماعة.
مصر ليست فى حرب فيها منتصر ومهزوم يجلسان فى غرف التفاوض، لإبرام المصالحات والاتفاقات والتسويات واقتسام المغانم والمغارم، ولها دستور وقانون ومؤسسات يحتكم إليها الجميع ويخضعون لنظام يطبق على كل المصريين دون تمييز أو إقصاء، ولا سبيل لنجاة هذا البلد إلا بتعظيم القانون واستعادة هيبة الدولة واحترام نظامها العام.
< < <
الدعوة إلى الصلح مع الإخوان خدعة كبرى.. كان هذا هو رأيى الذى لم أحيد عنه منذ أكثر من 30 سنة، وليس من قبيل الشجاعة بأثر رجعى أن أقول إن كثيراً من الذين يهاجمون الإخوان الآن، كانوا يختلفون معى فى كشفى لجرائمهم قبل 25 يناير، وتولوا مهمة الترويج لبرامجهم وكوادرهم وارتموا فى أحضانهم فى سنة حكم المعزول.
ولا أفهم سر العودة لأسطوانة المصالحة مع مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة، وأدرك المصريون أن كلمة إخوان معناها سرقة وطن ومحو ملامحه وهويته.
مخطئ من يتصور أن الخطر قد زال أو تراجع، فالداء كامن تحت الجلد، وبنو وطنى فيهم كثيرون يلعبون على كل الأحبال ويمكرون ويداهنون، حتى يعود الإخوان من جديد ولو من خرم إبرة.
< < <
المشكلة الكبرى هى توظيف الدين الحنيف لمطامع وأغراض شخصية، فمن يريد النصب على الناس، لا يتورع فى الاجتراء على الإسلام بما ليس فيه، ومن يبحث عن الشهرة الكاذبة، يفعل مثل كثير من الدعاة، الذين لا يمتلكون مؤهلات الإفتاء، أما الابتلاء الأكبر فهو الصراع السياسى على السلطة، وتوظيف الدين ليكون وسيلة للوصول إلى الحكم.
لم يدخل هذا الداء بلداً إلا أفناه، وفجر بين أبنائه بحوراً من الدماء، فكل المتقاتلين يزعمون أنهم ينفذون شريعة الإسلام، ويذبحون ويقتلون ويعتدون على المال والأعراض باسم الدين، مع أن جوهر الأديان هو الهداية ونشر المحبة والسلام، وليس القتل وإراقة الدماء.
< < <
كان أهل الشر على يقين بأن مخططهم لن ينجح فى هدم مصر، إلا إذا ضربوا القوتين معاً: الأيدى التى ترفع العلم، والأصوات التى تهتف بالنشيد، وابتلع الطعم السام جماعات من النشطاء والسياسيين والإعلاميين، رقصوا على نشاز الإخوان، وعلى أدخنة الحرائق وروجوا للباطل، وساهموا فى مخطط إفشال الدولة.
عادت مصر لأن الدولة القوية عادت، ومن لا يرى ذلك فهو مصاب بانعدام الرؤية، والقوة ليست أدوات الردع الخشنة فقط، ولكن أيضاً فى استعادة أجمل الأشياء التى كانت فينا وتتأخر فى العودة، إنها الهوية التى ميزت المصريين على مر العصور.
< < <
أصول الصحافة: كنا أسعد حظاً بتعلم أصول المهنة من «الأسطوات» الكبار، وحين دخلت روز اليوسف فى بداية الثمانينيات، كان الدور الخامس بمبناها شارع قصر العيني، مزدحماً بعظماء الكتاب، الغرفة المواجهة للأسانسير أحمد حمروش، وفى غرف الممر الدائرى يمين، فايزة سعد وجمعة فرحات، وبعدها ناصر حسين، وعبدالفتاح رزق، والشاب طارق الشناوي، ثم صالة التحرير وبعدها غرف عاصم حنفي، ومحمود السعدني، وفتحى غانم، وصلاح حافظ، ثم عبدالله إمام ومحمود المراغي، وعبدالستار الطويلة ومحمد ذهني، وأسطى رسم الماكيتات عدلى فهيم.
الجيل الحالى من الصحفيين فى روز اليوسف أحمد الطاهرى وأحمد باشا ووليد طوغان يحاولون استعادة المؤسسة العظيمة، بعد سنوات ساد فيها منطق أن الصعود إلى المناصب لا يكون إلا بإزاحة الكبار، وألمس فى بعض زملائى الشباب طموحاً لاستعادة الأصول، واسترداد الزمن الجميل، بتقاليد متطورة تحافظ على الثوابت، وتمنع كل من يعرقل صعودهم للمستقبل.