أشعر بقلق شديد كلما التقيت رجلاً أهبل أو سيدة عبيطة وذلك بسبب عقدة نفسية ناتجة عن إدمان مشاهدة الأفلام العربي القديمة والتي لا تخلو من رجل أهبل أو سيدة عبيطة يظل طوال الفيلم ينضرب علي قفاه من جميع الأبطال ومن كل من هب ودب حتي الكومبارس ثم تأتي المفاجأة في نهاية الفيلم عندما نكتشف أن زعيم العصابة الذي دوخ رجال البوليس المصري بل والبوليس الدولي ماهو إلا هذا الرجل العبيط أو هذه السيدة الهبلة!

من أكثر الشخصيات التي تسببت لي في هذه العقدة والتي كنت أراها في منامي ويقظتي هي شخصية”كمال الطبال”بطل رواية هارب من الأيام للأديب الكبيرالراحل ثروت أباظة والتي جسدها في مسلسل ناجح الفنان القدير الراحل عبد الله غيث الذي لعب دور كمال الطبال عبيط القرية الذي كان الجميع لعبطه يأتمنونه ويفتحون له بيوتهم ويتحدثون أمامه عن كل أسرارهم ولأن كمال الطبال لم يكن عبيطا ولا يحزنون بل كان ممثلا بارعا يدعي العبط فقد قام بتشكيل عصابة من أبناء القرية الأشقياء وجعل من نفسه زعيما عليهم واتخذ من مغارة في الجبل مقراً له يلتقي فيه بالعصابة ليقتسموا غنائم عملية الأمس ويلقنهم تفاصيل عملية اليوم، وقد استغل”الطبال”كل ماكان يعرفه عن أهل القرية في التخطيط لسرقتهم انتقاما منهم علي السخرية منه، تلك السخرية التي دفعته لأن ينتقم حتي من الفتاة التي أحبها لأنها الوحيدة التي كانت تعطف عليه ولا تسخر منه وهي درية أو «ست درية» كما كان يناديها والتي لعبت شخصيتها الفنانة الراحلة مديحة سالم فقام باختطافها في المغارة ليرغم أهلها علي تزويجها له.
اذكر وأنا صغير في البلد أني كنت كلما قابلت أحد هؤلاء أقترب منه بينما يفر الأقران من هذا العبيط المخيف والذي غالبا ماكان يطلق لحيته بغير اعتناء ويرتدي ثيابا ممزقة ويمسك بعصا ويمشي حافي القدمين في شوارع الصعيد المشتعلة حرا بل أن أحدهم واسمه غريب رحمة الله كان لا يرتدي إلا جوالا من الخيش حتي اننا أطلقنا عليه غريب أبو شوالة وكلما لقيته أقول له:اطلع من دول ياكمال ياطبال فيندهش الرجل ويقسم أن اسمه غريب وليس كمال الذي يسمع اسمه لأول مرة لكني أغمز له بعيني قائلا:كل الناس إلا أبو العباس ياغريب عيب عليك فإذا طلب حسنة أقول له:ياعم هو انت عندك شوية ولا فاكرني مش عارف المغارة إللي مخبي فيها فلوسك؟
كنت متأكد ان غريب أبو شوالة هو كمال الطبال بشحمه ولحمه بل ورصدت خمسة شخصيات أخري في قريتنا كانوا من أصحاب الشنبات الكبيرة والنظرات الحادة كنت متأكدا أنهم أعضاء عصابة كمال الطبال والأغرب علي ما يبدو وقتها أني كنت أعاني من أعراض انحراف مبكر حيث كنت احدث نفسي قائلا:إزاي كمال الطبال مش بيعرض عليك بعد ماكشفت سره انك تنضم للعصابة؟وعندما كنت أقول لنفسي يمكن علشان لسه صغير وعصابة زي دي لازم تكون كبير علشان تبقي عضو فيها؟فأرد علي نفسي قائلا:وماله صغير صغير أهو أنفع حتي أبقي ناضورجي من الذين تستخدمهم العصابات لتنبيه العصابة في حالة وجود خطر قادم مثل كبسة بوليس وكنت كلما عدت إلي البيت وأخبرت أمي بما كان من كمال الطبال الذي يدعي أنه غريب أبو شوالة والذي يريد أن يخدعني متظاهرا بأن دماغه لاسعة حبتين فتضرب امي كفا بكف وهي تقول:لو كانت الشمس السخنة دي لسعت دماغ غريب شوية فانت دماغك لسعت شويات من كتر المسلسلات إللي بتتفرج عليها ثم تردف قائلة:يابني غريب ده أهبل رجل في العالم،وطبعا لم اخبر أمي برغبتي وقتها في الأنضمام لعصابة كمال الطبال حيث كان هذا معناه أنها ستخبر أبي ذلك المربي الفاضل الذي كنت أتخيل وقع الصدمة عليه لو عرف وقتها أن ابنه الذي يترجاه من الدنيا يتخذ من كمال الطبال مثلاً أعلي وكنت أتخيل رد فعله لو أخبرته أمي بالخبر فيقع الرجل مثلما وقع حسين رياض فاقدا الحركة والنطق في فيلم رد قلبي عندما رفض البرنس كمال طلب ايد ابنته الأميرة إنجي لعلي ياويكا بل وطلب إيداعه السرايا الصفرا.
المهم في الموضوع وعلي الرغم من تأكدي من وفاة غريب أبو شواله الذي هو كمال الطبال بل ومشيت في جنازته إلا أن طيفه يراودني كثيرا هذه الأيام وأنا أري أهبل رجل في العالم قد عاد من جديد في صورة المئات من الذين يخرجون علينا ليل نهار علي صورة كمال الطبال وقد انتشروا في جميع الميادين سياسية واعلامية ورياضية وفنية وغيرها ربما لا يرتدون نفس ثيابه ولا يتكلمون بنفس طريقته لكنهم يتمتعون بنفس ادعائه للعبط وقدرته علي خداع الآخرين،الفارق الوحيد أن كمال الطبال الحقيقي كان هاربا من الأيام بينما عندما تسمع أي كمال طبال من بتوع اليومين تشم من رائحة كلامه وتصرفاته أنه هارب من الحمام!.