فوجئ بلير بقصة الصبي الغر حسين عبد الرسول الذي كانت وظيفته إحضار المياه إلي العمال في الحفائر.. وفي يوم كارتر الموعود حضر حسين ووضع جرار الماء وعمل حفرة دائرية ليثبت قاعدة الإناء في الأرض؛ وبينما يفعل ذلك عثر علي أول درجة سلم حجري؛ والتي كانت بداية الكشف العظيم

ارتباط الشعب الإنجليزي بمصر عميق وأصيل وممتد إلي قرون مضت. ومنذ القرن التاسع عشر كانت مصر هي المشتي المفضل للوردات إنجلترا وعائلاتهم. بل كانت مصر بجوها الجاف الساحر مشفي للإنجليز الذين كانوا يأتون لقضاء فترات نقاهة طويلة؛ أو حتي للعلاج بالمياه الكبريتية في حلوان؛ أو الدفن بالرمال في صحراء سيوة والواحات الغربية. ولعل من أشهر اللوردات الإنجليز الذين عشقوا مصر بعد أن أتوا إليها طلباً للشفاء هو اللورد كارنانفون الذي تعرف علي هيوارد كارتر وقام بتمويل حفائره التي أدت إلي أعظم كشف في التاريخ وهو الكشف عن مقبرة الفرعون الشاب توت عنخ أمون بوادي الملوك في 4 نوفمبر 1922.
والإنجليز بطبعهم يعشقون الآثار والتاريخ القديم؛ ويحسب لهم الحفاظ علي كل ما هو قديم.. وعندما قابلت توني بلير وعائلته عند أهرامات الجيزة وكان قد غادر منصبه كرئيس للوزراء؛ ظل يتحدث معي عن توت عنخ أمون وكنوزه وظروف اكتشاف مقبرته؛ وكان واضحا أنه يعرف كل تفصيلة من تفاصيل الكشف.. وقد فوجئ بي وأنا أقول له إن هناك قصة مرتبطة بالكشف لا يعرفها كثيرون؟! وحكيت له قصة الصبي الغر حسين عبد الرسول الذي كانت وظيفته إحضار المياه إلي العمال في الحفائر مستخدماً حماره وجِرارا كبيرة من الفخار؛ ولم تكن سنه قد تخطت 12 سنة.. وفي يوم كارتر الموعود حضر حسين ساحباً حماره واختار مكاناً لوضع جرار الماء فيه وقام بعمل حفرة دائرية ليثبت قاعدة الإناء في الأرض؛ وبينما يفعل ذلك عثر علي أول درجة سلم حجري؛ والتي كانت بداية الكشف العظيم.
كان بلير وعائلته في قمة الصمت لمعرفة بقية قصة الصبي الذي إكتشف مقبرة توت عنخ أمون! واستطردت في سرد القصة عليهم وقلت أن كارتر بمجرد رؤية الصبي وهو يدخل عليه الخيمة ومعه رئيس العمال علم أن الأمر جلل؛ وبالفعل ذهب معهما لرؤية السلمة الحجرية. وما هي سوي دقائق وكان كارتر يهبط درجا من 12 سلمة ليصل إلي مدخل مغلق يحمل أختام حراس ومفتشي الجبانة والتي تقول هذا هو قبر الفرعون الذهبي توت عنخ أمون! لتفتح بعد ذلك صفحة جديدة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
ليس أدل علي حب بلير وعائلته للتاريخ الفرعوني والآثار الفرعونية سوي الوقت الذي استغرقوه لزيارة الأهرامات وسماع قصة كل أثر والإشادة بعبقرية الفنان المصري القديم. وعندما قمنا بالدخول إلي داخل هرم خوفو أنا وأبناء توني بلير وبعض من أصدقائهم الذين أتوا معهم؛ وزوجته أيضا بينما قرر توني الانتظار لأنه كان يحمل علي صدره طفلهما الذي لم يكن قد تخطي العام الواحد. وبعد أن خرجنا من الهرم توجهنا إلي أبو الهول وكانت الأسئلة كلها تدور حول كيف صنع المصريون القدماء كل هذه المعجزات في زمن كانت التكنولوجيا بسيطة للغاية؟! وكانت الإجابة هي الإيمان بالتفرد والعزم علي النجاح والثقة في العقل المصري المبدع. وقد فوجئت بطلب أفراد العائلة لزيارة مقابر العمال بناة الأهرامات؟ وكان هذا الطلب أسعد ما حدث لي أثناء الزيارة لأني تأكدت أنني أمام عائلة تترجم عشقها للفراعنة بالقراءة في تاريخهم وآثارهم.
قابلت توني بلير مرة أخري بعد هذه الزيارة في حفل أقامه عمرو بدر - الخبير السياحي العالمي - وذلك للإعلان عن افتتاح المدرسة الإنجليزية في مصر. وعندما صافحني توني بلير وجدته يقول لي: "مازلت أتعجب من قصة الصبي حسين الذي كشف مقبرة توت عنخ أمون"!