بعد صدور قرارات البنك المركزي لضبط سوق الصرف ثار الجدل وتضاربت الآراء حول الآثار الايجابية والسلبية لهذه القرارات. كما هو معروف ووفقا لما تم اعلانه فقد استهدفت هذه القرارات السيطرة علي انفلات سوق الصرف. المعاملات في هذه السوق جنحت منذ عدة شهور إلي المضاربة والضغط علي الجنيه المصري.. ليس بهدف التربح فحسب وإنما لالحاق الضرر بالاقتصاد القومي. استندت -هذه الاستراتيجية- الموجهة علي خسارة مصر لما يقرب من عشرة مليارات دولار كانت تحققها السياحة وما أدت إليه من انعكاسات علي شح العملة الصعبة.
هذه الأزمة أدت إلي تأزم امكانات تمويل استيراد الاحتياجات من السلع الأساسية ومستلزمات الانتاج اللازمة لقطاع السياحة. استغل المتربصون بمصر وفي مقدمتهم جماعة الإرهاب الإخواني -التي شلحها الشعب عن حكم مصر بثورة ٣٠ يونيو- ما تحتله السياحة كركيزة لتوفير العملة الصعبة فعملوا علي التحرك ومعهم أذنابهم والأبواق الإعلامية المأجورة عالميا إلي التآمر لضربها وبالتالي حرماننا من تدفق الدولار السياحي.
لم يكن خافيا بأي حال مشاركة شركات الصرافة المملوكة بعضها لرموز الجماعة الإرهابية وجهازها الاقتصادي في تفعيل هذه المؤامرة بشراء الدولار من السوق والاستحواذ عليه لحرمان المعاملات المصرية من استخدامه. هذا النشاط المحموم امتد إلي الدول الخليجية والمناطق التي يتجمع فيها العاملون المصريون في الخارج لشراء مدخراتهم بالعملات الأجنبية بأسعار مرتفعة لإغرائهم علي عدم تحويلها إلي الوطن عن طريق المنافذ البنكية.
لمواجهة هذا الاستهداف التخريبي لاقتصادنا القومي اتخذت قرارات المركزي منحي اجهاض هذا التآمر الذي بالغ في استخدام الضعف الذي يعاني منه الجنيه المصري نتيجة انخفاض الانتاج سواء للاستهلاك أو التصدير علاوة علي تداعيات الانحسار السياحي.
علي هذا الأساس تركزت القرارات علي الارتفاع بسقف الاغراء لتحويل المدخرات الدولارية إلي الجنيه المصري. شمل ذلك تخفيض قيمة الجنيه بنسبة وصلت حاليا إلي حوالي ١٣٫٥٪ بعد رفع قيمة الجنيه في الأيام الأخيرة بقيمة سبعة قروش.
كما اقدم البنك المركزي علي طرح حوالي ٢٫٥ مليار دولار بعطاءات لاستخدامات البنوك من أجل تمويل طلبات الاستيراد وتسوية المديونيات الدولارية. وكانت آخر القرارات طرح وعاء ادخاري مميز للجنيه المصري في حالة التنازل عن أرصدة العملات الأجنبية بفائدة ١٥٪ بالاضافة إلي زيادة الفائدة علي الايداع بنسبة ١٫٥٪ وهو ما سوف ينسحب اتوماتيكيا إلي الأوعية الادخارية. كل هذه الخطوات استهدفت سحب السيولة من السوق للحد من التضخم والسيطرة علي الأسعار من خلال خفض الاستهلاك.
هذه التطورات تمثل صدمات متتالية وقوية للتعاملات غير المشروعة في سوق الصرف الموازية التي تتولاه مافيا تجارة العملة. علي هذا الأساس يمكن تلخيص نتائج وأهداف هذه الحرب المباغتة التي شنها البنك المركزي علي انحراف شركات الصرافة غير السوية في النقاط التالية:
> قرارات البنك المركزي استهدفت أساسا تحقيق الاستقرار علي الساحة الاقتصادية بما يمهد الاجواء لتنشيط الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية وصولا إلي النهوض الاقتصادي والاجتماعي.
> نتائج القرارات تمثل حتي الآن انتصارا للبنك المركزي في هذه الجولة من الحرب الدائرة بينه وبين مافيا تجارة العملة للتربح غير المشروع وخدمة أهداف سياسية مريبة.
> يمكن القول أن قرارات البنك المركزي الذي يعد ترمومتر الأداء الاقتصادي السليم قد ألحقت خسائر فادحة بأعضاء مافيا تجارة العملة علي غرار ما سبق أن حققته الاجراءات التي كان قد اتخذها الدكتور فاروق العقدة المحافظ الأسبق للبنك المركزي في فترة قيادته لهذه المؤسسة الوطنية.
> المهم وحتي لا يتم استغلال هذه القرارات في توحش وجشع واستغلال التجار فإنه لابد لأجهزة الدولة المعنية أن تقوم بمسئولياتها في رقابة وضبط الأسواق لحماية المستهلك من الارتفاع العشوائي والمبالغ فيه في أسعار الاحتياجات المعيشية. من ناحية أخري فإنه لابد للبنك المركزي دعما وتفعيلا لقراراته تكثيف الرقابة وحملات التفتيش علي شركات الصرافة حتي تلتزم بالسلوكيات الاقتصادية السليمة التي تتماشي والصالح الوطني.
أرجو وعلي ضوء التوقعات المستقبلية علي الساحة السياسية والانعكاسات الاقتصادية أن تصب لصالح تعظيم نتائج قرارات البنك المركزي.