لاشك أن أمامنا مهمة صعبة لكي نعبر الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي نواجهها. وفي نفس الوقت أن نضع الأساس لنهضة شاملة تعوض سنوات التخلف وميراث الفساد.
وقد تعبنا «وأتعبنا القارئ معنا» ونحن نكرر الحديث عن أمرين لا بديل عنهما إذا أردنا بالفعل أن ننجز هذه المهمة الصعبة وأن نضع القاعدة الأساسية لتقدم مستمر يضعنا في المكانة التي نستحقها ونملك كل امكانياتها.. إذا لم نهدرها!!
الأمر الأول: أننا قد نحتاج لمساعدات أو قروض خارجية، لكن الأساس الذي ينبغي أن يكون راسخا في عقيدتنا هو أن مصر لن يبنيها إلا أبناؤها وأن الاستثمار الأجنبي لن يأتي إلا إذا نجح الاستثمار المحلي، وكان هو الأساس وأن علينا أن نهيئ الظروف لذلك بكل الوسائل الممكنة.
والأمر الثاني: أن الصناعة هي القاطرة الحقيقية للتقدم. وأن علي الجميع أن يدركوا أن زمن السمسرة قد انتهي، وأنه قد آن الأوان لتدعيم الصناعة الوطنية بكل الطرق، وفي نفس الوقت أن يدرك المستثمرون الصناعيون أن واجبهم يقتضي أن يكون لديهم الحس الوطني الذي يجعلهم يخوضون معركة حقيقية لبناء الصناعة ولغزو الأسواق الخارجية، ولتحقيق مصلحتهم الخاصة مع مصالح الوطن في وقت واحد.
والآن.. ماذا تقول في هذه الوقائع:
>> خفضت الحكومة سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب. تحملت الدولة ١٫٢ مليار جنيه لدعم هذه المصانع لكي تعمل بكامل طاقتها، ولكي تسد حاجة السوق المحلي، وتنافس في الخارج.. فماذا كانت النتيجة؟!
قبل يومين أعلنت مصانع عز (٥٥٪ من الانتاج المحلي) زيادة الأسعار ٤٠٠ جنيه في الطن، ليصل إلي ما يقرب من ستة آلاف جنيه، وبزيادة حوالي ٣٥٪ من السعر العالمي وستتبعها بالضرورة كل مصانع الحديد عندنا!!
>> في نفس الوقت كانت كبري مصانع السيراميك والأسمنت تطالب بخفض جديد لسعر الغاز.. وإلا فإن نفس الاستراتيجية التي اتبعت في صناعة الحديد ستتم، حيث يتم خفض الانتاج والتهديد باغلاق المصانع وتسريح العمال!!
>> في نفس الوقت كان الملياردير نجيب ساويرس يخوض معركته ضد محافظ البنك المركزي طارق عامر بسبب صفقة مالية يقول ساويرس إن المحافظ يعطلها له. ولست خبيرا اقتصاديا لمناقشة الخلاف، ولكن أقف أمام ما كتبه ساويرس بنفسه في «الأخبار» وهو ليس مجرد رأسمالي نشيط فقط، ولكنه صاحب حزب، ومالك لامبراطورية إعلامية ولوعي كامل بمعني تهديده الذي يقول «بالنسبة لي واستثماراتي فإن أرض الله واسعة»!!
بالطبع نتمني له ولأمواله طيب الاقامة في أي مكان يختاره.. ولكن السؤال يبقي: هل هذه العقلية يمكن أن تحقق ما نرجوه لهذا الوطن؟!