لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الغاية في الأهمية للزراعة في مسيرة مصر الاقتصادية والاجتماعية. ان ما يؤكد هذه الحقيقة اعتماد ما يزيد علي ٦٠٪ من تعداد الشعب المصري لتوفير احتياجاتهم المعيشية علي هذا النشاط وهو ما يعد موروثا تاريخيا في الحياة المصرية. من ناحية أخري فإن التراجع والعجز في الإنتاج الزراعي ادي بشكل كبير لما نعانيه من أزمات اقتصادية واجتماعية. أحد الشواهد علي هذا الواقع اننا نستورد النسبة الأكبر حاليا من احتياجاتنا الغذائية الأساسية وفي مقدمتها القمح الذي يصنع منه رغيف الخبز محور وجوهر الحياة للمواطن المصري.
انطلاقا من خطورة هذه المعلومات فإن النهوض بالتنمية الزراعية في مصر لاقت وللاسف وعلي مدي العقود الماضية الاهمال بعدم الدعاية من جانب قيادات الدولة السياسية وأجهزتها الحكومية. هذا الأمر لم يترتب عليه انخفاض الانتاجية الزراعية فحسب وإنما أيضا إلي تردي نوعية وطبيعة هذا الانتاج. جري ذلك نتيجة غياب الضمير وتفشي الفساد السائد سواء فيما يتعلق باستيراد التقاوي وتوفير الأسمدة والمبيدات ذات الصلاحية بالأسعار الملائمة للفلاح.
في إطار هذه الأزمة التي تعايشها الزراعة المصرية منذ سنوات فإن أحدا وللأسف لم يفكر في معالجة الكثير من السلبيات التي ضاعفت من التداعيات. يدخل ضمن هذا المسلسل الاهمال المتعمد لمشاكل الصرف الزراعي لمساحات هائلة من الأراضي وهو ما تسبب في فقدان الخصوبة خاصة في مناطق كثيرة بالوادي. يضاف إلي ذلك ما تلاقيه الترع وقنوات الري من اهمال في تطهيرها أو عدم الأمانة في القيام بهذه المهمة تحت اغراء الرشاوي التي يحصل عليها المهندسون من المقاولين بدافع من انعدام الضمير.
علي نفس المسار ورغم التحذيرات وشح المياه اللازمة لاحتياجات الري والشرب والاستخدامات الانسانية الأخري. فقد كان يحتم علينا إقامة نظم للري الحديث لتوفير المياه بنسبة ٥٠٪ مما يتم استخدامه حاليا.. ولكن لا شيء من هذه المشروعات جري تنفيده حتي الآن. يحدث ذلك رغم ما يتم ترديده كل يوم عن ان الحصة الحالية لمياه النيل التي نحصل عليها والمقدرة بـ٥٥ مليار متر مكعب لن تلبي احتياجاتنا في السنوات القادمة. هذا الخطر الوارد لا يضع في اعتباره ما يحمله اقامة سد النهضة من اخطار علي هذه الحصة من المياه.
علي ضوء كل هذه الحقائق فإنني استبشر خيرا باجتماع الرئيس السيسي بوزير الزراعة وما تم بحثه حول ضرورة رعاية الفلاح ومساعدته وتقديم جميع التسهيلات له. هذا اللقاء انعش الآمال في امكانية تحول مطالب النهوض بالزراعة إلي مشروع قومي. من ناحية أخري فإن نجاحنا في تنفيذ استصلاح المليون ونصف مليون فدان علي مياه الآبار الجوفية يعد في نفس الوقت اضافة قوية لهذا المشروع القومي اذا ما خلصت النيات والتزام القائمين عليه بالأهداف والتوقيتات. وفي هذا الشأن من الضروري القول بأن لا قيمة لأي زيادة في الرقعة الزراعية مع استمرار هذه الموجة من الاعتداءات علي الأراضي الزراعية والتي توحشت منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ لتبتلع ما يزيد علي المليون ونصف المليون فدان حتي الآن. لابد من تفعيل للقوانين المتعلقة بمنع هذه الاعتداءات وتطبيقها بحزم وحسم. من المؤكد أن الانتهاء من مشروع أحوزة القري والمدن في كل انحاء الوطن وكذلك تحديد مساحات الأراضي المسموح بالبناء عليها يعد أمرا غاية في الأهمية للالتزام بهذه القوانين. علي أن يتم الالتزام بتوسيع الأبنية القائمة حاليا رأسيا.
كم أرجو أن تتكرر متابعة الرئيس لملف الزراعة الذي واجه الاهمال والفساد علي مدي سنوات وسنوات رغم ما يمثله من أهمية اقتصادية واجتماعية تندرج تحت بند الأمن القومي الغذائي. انني علي يقين بامكانية حل الكثير من مشاكل هذا القطاع لو أن رئاسة الدولة قد وضعته ضمن اهتماماتها. يجب ونحن نفكر في هذا الأمر ألا ننسي ما أصبحت عليه ندره صادرات الحاصلات الزراعية من عوائد لخزينة الدولة بالعملات الأجنبية.