يجب أن نتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات في مخاطبته للكنيست الإسرائيلي أكد أن مصر لا تسعي فقط لسلام ثنائي مع إسرائيل وإنما إلي سلام إسرائيلي عربي شامل

تعرضت القضية الفلسطينية ومعها ما كان يعرف بعملية السلام لحالة من الركود بل التجمد وكان ذلك بفعل عوامل إقليمية وإسرائيلية وفلسطينية. والواقع أن القضية الفلسطينية كانت ضحية لحالة الغليان التي شاهدتها المنطقة العربية منذ 2011 وانشغال دول وشعوب المنطقة بالانفجارات الداخلية التي حدثت في عدد من الدول العربية وبشكل سحب اهتمامها بالقضية الفلسطينية. وقد استغلت حكومة نتانياهو هذا الظرف لكي تؤكد مواقفها المتطرفة وترسخ بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، بل وأحبطت محاولات قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري علي مدي تسعة شهور لمحاولة تجديد عملية السلام. ومؤخرا فقط قدمت فرنسا مبادرة لعقد مؤتمر دولي في نهاية مايو هذا العام لوضع أسس وقواعد عملية السلام، ولكن وفي 17 الجاري أعلن الرئيس الفرنسي تأجيل هذا المؤتمر بحجة أن موعده لا يتفق مع ارتباطات وزير الخارجية الأمريكي، وواضح أن وراء هذا عدم رضاء إسرائيل عن المؤتمر المقترح.
وسط هذه الظروف يظهر الدور المصري في الدعوة التي وجهها الرئيس السيسي لإحياء وتجديد جهود التوصل إلي تسوية سياسية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو ما انعكس في حديث الرئيس السيسي خلال زيارة لأسيوط، وكان حديثه رسالة ودعوة مسئولة وجهها إلي كل من الإسرائيليين والفلسطينيين للانخراط في عمل جاد لبناء السلام. ولعل أهم ما يميز حديث الرئيس السيسي هو انطلاقة واستعادة للمبادرة المصرية عام 1977 لبناء سلام مع إسرائيل، وتذكيره بالتحول الذي أحدثته المبادرة المصرية في تحويل العلاقات مع إسرائيل والتي حققت الأمن والسلام للشعبين، ومعاني ذلك أنه يمكن لهذه الخبرة أن تتحقق بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل وما يمكن أن يطلقه هذا من أفاق واسعة للمنطقة من تعاون وتقدم وبل وازدهار. كذلك من أهم من يميز حديث الرئيس هو مخاطبته لإسرائيل ليس فقط لحكومتها بل وللأحزاب والقوي السياسية والرأي العام فيها ومن هنا كان طلبه من الحكومة الإسرائيلية أن تذيع حديثه عدة مرات علي الرأي العام الإسرائيلي. كذلك يذكر الرئيس بالمبادرة العربية لعام 2002 والتي تضمنت عرضا عربيا لقبول إسرائيل إذا ما تخلت عن الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية. غير أن من ثغرات هذه المبادرة أنها لم تصل إلي الرأي العام الإسرائيلي وتجاهل الحكومات الإسرائيلية لها. وكما خاطب الرئيس الإسرائيليين فأنه خاطب أيضا الفلسطينيين وطالبهم بالوحدة ونبذ الانقسامات والتي كانت علي مدي السنوات الماضية من أكبر ثغرات النضال الفلسطيني. ولعل ردود الفعل الإسرائيلية الأولي لحديث الرئيس تبدو مرحبة ويلفت النظر دعوة زعيم المعارضة الإسرائيلية للحكومة أن تتعامل «بجدية ومسئولية» مع دعوة الرئيس.
ولعل قوة الرسالة المصرية ومصداقيتها أنها تصدر عن البلد الذي أطلق عملية سلام مع إسرائيل وفي هذا يجب أن نتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات في مخاطبته للكنيست الإسرائيلي أكد أن مصر لا تسعي فقط لسلام ثنائي مع إسرائيل وإنما إلي سلام إسرائيلي عربي شامل، بما يعني أن السلام بين البلدين لن يحقق كل إمكانياته إلا في بيئة إقليمية سلمية، وهي نفس الإشارة التي المح إليها الرئيس السيسي عندما تحدث عن إمكانية الانتقال إلي سلام دافئ.
ونتصور أن رسالة الرئيس السيسي سوف تلقي استجابة ايجابية من المجتمع الدولي وقواه، وتضيف إلي حقيقة ما يعتبره المجتمع الدولي من أن مصر هي قوة سلام واستقرار من المنطقة وأن دورها أساسي في هذا الهدف. ورغم ما مرت به القضية الفلسطينية من ركود إلي أن ثمة وعيا دوليا يتشكل بأهمية التوصل إلي تسوية سياسية في مركزها قيام دولة فلسطينية. وأمريكيا فإننا نتصور أنه إذا كانت واشنطن لم تستجب للمبادرة الفرنسية إلا أنها سوف تكون أكثر استجابة وتعاونا مع مبادرة تأتي من الدولة التي بنت سلاما مع إسرائيل بل إن الدعوة المصرية يمكن أن تقدم للإدارة الأمريكية ورئيسها وهو يودع رئاسته فرصة لتجديد المبادرة التي بدأ بها عهده لتحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ونتصور أن مصر والدبلوماسية المصرية سوف تبدأ حملة لتعبئة وتكوين رأي عام دولي وراء رسالة الرئيس ودفع عملية السلام إلي ما يمكن أن يكون مصالحة تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ظلت تراوغهم علي مدي عقود. والواقع أن إحياء عملية السلام لن تبدأ من فراغ فوراءها رصيد ضخم من قرارات الأمم المتحدة والمبادرات والمؤتمرات التي كادت تصل إلي اتفاق. والمطلوب اليوم هو استعادة كل هذا وبث الروح في هذا الرصيد ويعتمد ذلك في المقام الأول علي توافر الإرادة السياسية خاصة لدي الإسرائيليين ودعم دولي متماسك.