قلبي مع مصرنا الغالية ومع مصر للطيران المرفق الوطني للنقل الجوي ومع اهالي ضحايا حادث طائرة باريس الذي ما زال يحيط به الغيوم. انها ولا جدال كانت صدمة هائلة عائدها الحزن والألم. لا نملك في مواجهتها سوي الدعاء للمولي عز وجل بان يرفق بنا ويرفع عنا مقته وغضبه ويتولي بقدرته التصدي لغدر المتآمرين والحاقدين والشامتين. ليس من تعليق علي هذه النهاية المفجعة والغامضة لهذه الطائرة المصرية وضحاياها سوي الدعوة الي الصبر والترابط واستمرار البذل والعطاء لهذا الوطن وصولا الي الرفعة والنهوض اللذين يعد تعطيلهما هدفا للمتآمرين والاعداء.
اذا كانت المعلومات المتوافرة حتي الان لا تشفي غليلنا في معرفة ما وراء سقوط هذه الطائرة الا ان ذلك لا يمنعنا من القول بان ما حدث يمكن ان تتعرض له اي شركة طيران في العالم وهو ما تشهد به الحوادث التي تفجعنا من وقت لآخر. الي ان تصل التحقيقات الي كشف لغز سقوط طائرة باريس فانه ليس امامنا سوي الانتظار حتي تظهر الحقيقة.
علينا تجنب الوقوع فريسة للفتاوي والادعاءات القائمة علي فرضيات ما أنزل الله بها من سلطان. ان الطريق ما زال طويلا حتي الوصول الي فك رموز ملابسات هذا الحادث المأساوي. كل ذلك مرهون بالعثور علي ما تبقي من حطام الطائرة والأهم انتشال الصندوق الأسود.
في اطار متابعتي لسيناريو الاحداث الذي اعقب اختفاء الطائرة المنكوبة بعد لحظات من دخولها المجال الجوي المصري فوق البحر المتوسط.. فانه لابد من الاشادة بالاجراءات التي اتخذتها ادارة مصر للطيران في تعاملها مع الموقف. تمثل ذلك في إقدامها علي اصدار البيانات المتتالية لاطلاع الرأي العام والعالم علي كل ما يتعلق بالحادث وان كان احدها قد اتسم بالتسرع فيما تناوله من معلومات غير مؤكدة. كان موقف ادارة الشركة علي اكبر قدر من المسئولية الحضارية وهو الامر الذي يستحق الاشادة. تجلي ذلك في اهتمامها بتقديم كل متطلبات المتابعة والرعاية والتسهيلات لاهالي ضحايا الحادث الذين توافدوا علي مطار القاهرة لمعرفة مصير ذويهم.
لم يقتصر الامر علي هذا التعامل الايجابي من جانب مصر للطيران مع الكارثة ولكنه شمل ايضا أداء الدولة علي اعلي مستوياتها. تمثل ذلك في دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي لاجتماع المجلس الاعلي للامن القومي وتواصل اتصالاته مع كبار المسئولين في دولة فرنسا التي اقلعت الطائرة من مطارها وكذلك اليونان التي كانت آخر الحدود التي مرت عليها قبل السقوط، في نفس الوقت حرص المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء علي التواجد في غرفة عمليات مصر للطيران للاطلاع علي سير عمليات المتابعة للحادث. صاحب هذا التحرك علي المستوي الرسمي صدور التعليمات الي وحدات البحث والانقاذ التابعة للقوات المسلحة للمشاركة في جهود البحث عن اي آثار للطائرة في المنطقة المرجح سقوطها بها. انها قامت وتقوم بعمل جبار علي أعلي قدر من الحرفية في الأداء. من ناحية اخري لابد أن أقول أن مثل هذه الامور اصبحت تتطلب ان يكون لدينا لجنة لادارة مثل هذه الازمات علي مستوي الدولة.
من ناحية اخري فقد أثارتني مجريات الامور في المؤتمر الصحفي الذي عقده شريف فتحي وزير الطيران الذي عاد الي القاهرة من مهمة عمل في جدة بعد ساعات من وقوع الحادث. فيما يتعلق بأحداث هذا المؤتمر فان الزملاء الصحفيين يستحقون العتاب لعدم الانضباط والتزام النظام في توجيه الاسئلة. ما حدث كان محصلة الاخطاء التي صاحبت عملية تنظيم هذا المؤتمر. رغم انه كان معلوما موعده قبل ما يزيد علي خمس ساعات فإن القصور كان وراء عدم توفير ترجمة فورية لنقل الوقائع الي الصحفيين والمراسلين الاجانب الذين كان متوقعا حضورهم هذه السقطة ساهمت فيما ساد المؤتمر من هرجلة وانفلات للاعصاب. بالطبع فإن ما جري كانت له انعكاسات سلبية علي رصيد التعامل الناجح لادارة مصر للطيران مع الحادث.. رغم هذا يمكن القول ان الوزير كان موفقا في شرح الموقف والرد علي الاسئلة الموجهة اليه.
كان متوقعا وكما يحدث دائما ويجري ترديده في مثل هذه الأمور ان تدخل التنظيمات الارهابية علي خط المحنة من خلال ادعاء المسئولية عنها وهو امر سوف تكشفه التحقيقات.
من المؤكد إن تعاملنا مع حادثة طائرة رحلة مصر للطيران القادمة من باريس يحتاج الي النفس الطويل الي ان يتم ازاحة الستار عن غموضها. ما اقوله رغم ما قد يسببه من احباط فإن هذا الواقع يسانده ما احاط بالكثير من حوادث الطيران التي شهدتها ويشهدها العالم وآخرها حادثة اختفاء الطائرة الماليزية. هذا الحادث رغم مرور اكثر من عام علي وقوعه فانه لم يظهر أي أثر لهذه الطائرة حتي الآن.
إن أملنا كبير في ان يهدينا الله الي كشف الحقيقة باعتبارها مساهمة في تهدئة النفوس والقلوب الهلعة المتأثرة ما حدث.