من ساحات المعارك في الشرق الأوسط تخرج إلينا قصص مثالية للشجاعة والتصميم يتعين علينا جميعا أن نستمع إليها وأن نتعلم منها.
لم تعرف بتول، وهي لاجئة من فلسطين تبلغ من العمر 14 عاما، سوي الصراعات والحروب في أغلب سنين عمرها. وخلال هروبها مع عائلتها من سورية، لقي والدها وشقيقها مصرعهما. وعندما التقيت بها في مخيم عين الحلوة في لبنان كانت الكلمات تعجز عن وصف تأثري بها. فرغم الصدمة التي مرت بها إلا أنها كانت الطالبة الأعلي تحصيلا في مدرستها. ومن رحم المأساة التي تعيشها حافظت بتول علي كرامتها واستمدت الطاقة من اليأس. وهي تعبر عن هذا بالقول: «إن التعليم هو ما يمدني بالأمل».
إن بتول تجسد القيمة الكبيرة التي يوليها الفلسطينيون للتعلم وتنمية المهارات، رغم جميع الصعاب في كثير من الأحيان، وسعيهم لإعادة البناء بعد ما يخسرون الكثير.
وفي الوقت الذي تبدأ فيه أعمال مؤتمر القمة الإنسانية العالمية في إسطنبول الاسبوع القادم، ثمة دروس عديدة يمكن للقادة والمشاركين أن يستخلصوها من قصة بتول. فليس هنالك أهم من نفخ روح جديدة في العمل السياسي الرامي إلي حل الصراعات المسلحة. ولا شئ يحدث فرقاً في حياة بتول واللاجئين الفلسطينيين - ناهيك عن ملايين المدنيين الآخرين - أكثر من إيجاد حلول سياسية لإنهاء محنتهم.
كما أن تجربة بتول تسلط الضوء علي القيمة الكبيرة للاستثمار في الإنسانية. وسيؤكد مؤتمر القمة أهمية عدم إغفال أي أحد، ومع ذلك سيحتاج الأمر إلي جهد كبير لضمان حصول كل الأطفال بالفعل علي حقهم في التعليم، حتي ولو كانوا في حالات صراع وأزمات.
وبوصفنا ممن يعملون علي الأرض، فإننا ندرك تماما جسامة التحدي. إن الأونروا توفر التعليم لإجمالي 500 ألف صبية وصبي فلسطيني في 692 مدرسة في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، والأردن ولبنان وسورية. وقصة بتول هي أيضا قصة المتخصصين والمعلمين ومديري المدارس الذين يقفون في مقدمة الصفوف لتوفير التعليم الذي تعتز به بتول.
إنني أكن بالغ الاحترام لهم علي تصميمهم وتفانيهم. إنهم يعملون في بعض أكثر البيئات المفعمة بالتحديات التي يمكن للمرء أن يتخيلها، ولقد فقدنا نحن في الأونروا العديد من الزملاء في السنوات الماضية: فقد خسرنا 16 زميلا لنا في سورية منذ بدء الصراع، ولا يزال هناك 28 زميلا آخر في عداد المفقودين. وفقدنا أيضا 11 زميلاً في غزة خلال حرب عام 2014.
وفي مؤتمر قمة إسطنبول، ستقوم الأونروا بإصدار تقرير جديد يتضمن نتائج مثيرة للقلق البالغ. إن دراستنا المعنونة «مدارس علي خطوط المواجهة» تظهر أن 44 في المائة من مدارس الأونروا البالغ عددها 692 مدرسة في مختلف مناطق الشرق الأوسط - أي ما يعني 302 مدرسة - قد تأثرت بشكل مباشر جراء الصراع والعنف في السنوات الخمس الماضية.
في سورية، ما لا يقل عن 70 في المائة من مدارس الأونروا البالغ عددها 118 مدرسة قد أصبحت غير قابلة للعمل في مرحلة ما من مراحل الحرب، إما لأنها تأثرت جراء العنف أو لأننا استخدمناها مراكز لإيواء المشردين.
وبشكل مماثل، فإن تقريرنا قاتم بشأن آثار الصراع علي مدارس الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث إن هنالك 83 مبني مدرسياً تابعاً للأونروا أصيبت بأضرار خلال الصراع في غزة عام 2014. كما أن 90 مبني مدرسياً تابعاً للأونروا قد تم استخدامها مراكز طوارئ مخصصة لإيواء قرابة 300 ألف فلسطيني مشرد، من بينهم ما لا يقل عن 150 ألف طفل. كما أن ستة من تلك المباني المدرسية أصيبت بقذائف مدفعية أو بذخائر أخري أفضت في ثلاث حالات إلي وقوع قتلي وإصابات. وقامت جماعات مسلحة بوضع قطع أسلحة في ثلاث مدارس أخري.
وفي الضفة الغربية، أصبح تقديم الأونروا للخدمات التعليمية بعد قرابة نصف قرن من الاحتلال الإسرائيلي يواجه تحديات متزايدة في ظل عمليات لقوي الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك الاستخدام المتكرر لقنابل الغاز وتأخير الطلبة علي نقاط التفتيش وعمليات إغلاق المدارس. وقد تفاقم هذا الوضع مع تصاعد وتيرة العنف منذ تشرين الأول/اكتوبر الماضي. وإنني أضم صوتي إلي صوت الأمين العام للتنديد بعمليات الهجوم علي جميع المدنيين.
وبالنسبة للبنان، فإن الاندلاع الدوري لأعمال العنف قد أجبر 36 مدرسة تابعة للأونروا علي تعليق الحصص الدراسية لفترة وصلت إلي أسبوع كامل في مناسبات مختلفة. وقد تأثرت أكثر من 50 في المائة من جميع مدارسنا هناك في مناسبة أو في أخري.
ومع ذلك، فإننا لا نزال مصممين. وخلال رحلتي التي قمت بها إلي سورية قبل عشرة أيام، التقيت بطلبة وهم يغادرون منطقة اليرموك المُدمرة حتي يؤدون امتحاناتهم الوطنية. كما زرت أيضاً مدرسة نعكف علي إعادة بنائها في حي السيدة زينب المجاور. وبشكل يشبه كثيرا عزم بتول، فإننا ببساطة لا نستسلم.

المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»