((نعم.. يحيا الظلم.. ظلم كل جبار عاتية معتز بسلطانه وسطوته يدوس القوانين ولا يبالي، وظلم كل كبير فاسق وكل عظيم فاجر يسرق ولا يبالي ويختلس ولا يبالي.. ويثلم الأعراض ولا يبالي. ويهدر الكرامات ودم الوطن ويجعل من مصر أمثولة السوء وبصقة كريهة في فم الزمان)).
((نعم.. يحيا الظلم.. ظلم كل مطالب باحترام القوانين ولا يحترمه.. وكل قادر علي حماية القانون ولا يحميه.. وظلم كل عابث ماجن أباحي مستهتر يضرب للناس أسوأ الأمثال.. نعم يحيا الظلم لأنه خير مرب للنفوس.. ونفوس المصريين تجيش اليوم بمعني واحد.. لقد صبرنا طويلا ولن نصبر بعد اليوم. وتحملنا كثيرا ولن نتحمل بعد اليوم..)).. تلك جزء من مقالة أبدعها محمد التابعي الصحفي البرنس النابه الأب الروحي لرجالات مدرسة «أخبار اليوم «، نشرها في مجلة آخر ساعة عدد 11 أكتوبر سنة 1950.. وكان الملك فاروق في عنفوانه والحاكم بأمره.
وروي التابعي في أحد كتبه أن الملك فاروق سأل بعض رجال ديوانه الملكي في غضب.. «من العظيم الفاجر الذي يسرق ويعتدي علي الأعراض»؟. وسكتوا عن الرد. وعاد يسألهم..»من الذي يعنيه التابعي»؟ ولم يجب أحد منهم.. وابتسم فاروق ابتسامة صفراء لأنه عرف بكل تأكيد من سكوت رجال حاشيته.. إنه المقصود.
كما كتب التابعي عن فاروق بعد خلعه وطرده.. كتب ولم يرحمه وأسهب في سرد قصص مخازيه وفضائحه.. ومع ذلك يتذكر التابعي سر المهنة وأنه إنسان قبل أن يكون صحفيا فلا يذكر سوي ما يفيد الأمة حتي يوقظ الوعي لدي الجماهير، فلم يذكر مثلا لماذا بكي فاروق ذات يوم في دار صغيرة برمل الإسكندرية في صيف 1937؟.. لأنها لحظات ضعف إنساني.. يحتفظ بسرها كسر من أسرار المهنة التي تعي ما ينشر ولا ما لا ينشر.. لأنه صحفي مهني وإن كتب يحيا الظلم.