سألني صاحبي عن الصحافة في حياتي . وكأن الصحافة لم تكن كل حياتي ! أذكر نفسي طفلاً صغيراً لم يتعد الثانية عشرة من عمره . أدخر طوال الاسبوع من مصروفي . ما يمكنني في نهاية الاسبوع . من شراء مجلة الأطفال . أقرأها أول مرة بلهفة . وأعيد قراءتها مرات ومرات بنفس اللهفة . مجلات الأطفال هي التي فتحت عيني علي عالم خيالي ساحر . كان هوأول دنيا أعرفها . ومازلت رغم الشيخوخة التي طرقت أبوابها . أغمض عيني فأرحل عبر الخيال في ذلك العالم الساحر . الذي تفتحت عليه براءة الطفولة . كنت طفلاً هادئاً ضئيل الحكم . خلقني ربي علي شكل ابعدني عن شقاوة الأطفال . التي لا أستطيع مشاركتهم فيها. واكتفي بالبقاء بعيداً وأنا أنظر اليهم يتسابقون ويجرون ويتصارعون .
ولم يكن لدي سوي هذه المجلات . وبعض كتب وروايات . كانت هي حضن طفولتي . وعاشت معي حتي هذه اللحظة . وفي دراستي الابتدائية كتبت في كراسة المدرسة . أول قصة قصيرة . أرسلتها الي مجلة أطفال. وفوجئت بهم ينشرونها . ويطلبون مني الذهاب . لاستلام جائزة القصة . وكانت جنيهاً واحداً . سلمني إياه. الراحل نعمان عاشور .وفي الثانوي شاركت في جماعة الصحافة . وفزت بجائزة مسابقة كبيرة . بين كل المدارس . وتسلمت الجائزة . من أستاذي الكبير الراحل علي أمين . علي مسرح مدرسة هدي شعراوي بالقصر العيني . كان أبي يتمني أن أكون طبيباً . كان يحلم بذلك ويتحدث عن ابنه الدكتور . طوال الوقت . وفي الثانوي أجبرني علي دخول القسم العلمي . حتي ألتحق بكلية الطب .لكن كنت أهرب من حصص الكيمياء والطبيعة . واتسلل الي فصول الأدبي . وأستمع الي دروس التاريخ والفلسفة ! ونجحت في الثانوية . وأهلني مجموعي للالتحاق بكلية طب الاسنان . ذهبت أوراقي اليها . وكاد حلم أبي أن يتحقق . لكن في نفس التوقيت أغلق قسم الصحافة . في كلية آداب جامعة القاهرة . وأعلن عن افتتاح كلية الإعلام . التي أنشأت في البداية كمعهد . وكان الالتحاق بها يتطلب غير المجموع. امتحانات شفهية وتحريرية . وفي السر امتحنت في كلية الاعلام . ونجحت فلم يكن أمامي سوي مصارحة أبي . أنني لا أحب ولا أرغب في الاستمرار في كلية طب الاسنان . وأريد الدراسة في كلية الاعلام . عايز تبقي صحفي ؟ سألني أبي بلهجة سخرية واضحة ..
أطرقت برأسي نحوالأرض في حزن عاجزاً عن الرد .
لكن أبي أنهي الموقف الصعب ببساطة غريبة .
وقال لي : اعمل اللي انت عايزه !