أبدى جمال عبدالناصر رأيه فى الشيوعية وأعلنه للعالم من خلال مقدمة كتاب " حقيقة الشيوعية " الذي خطها بنفسه عام 1954 ، وأعيد طبع الكتاب 5 مرات .
وبين عبدالناصر رأينا كمصريين وعرب فى الشيوعية وتمسكنا بديننا وقوميتنا وحريتنا ، وكيف أن القومية العربية لا تؤمن بأنظمة العبيد ، وجاء نص مقدمة الكتاب " أصبحت كلمة الشيوعية من الكلمات الشائعة التي تردد ويطلقها بعض الناس دون أن يعرفوا ما هي الشيوعية ولا ما هي نظرية الشيوعية ، وحتى أولئك الذين أتيحت لهم فرصة الإطلاع على النظرية الشيوعية كما وضعت ، لم تتح لهم فرصة الإطلاع على وجهها الآخر الذي يغفل الداعون للشيوعية ذكره حتى لا تفقد النظرية قيمتها ، وهم بهذا يجهلون أو يتجاهلون كيف تطبق الشيوعية عمليا .
وهذا الكتاب يشرح الشيوعية من جميع زواياها – الزوايا البراقة والزوايا المظلمة – كما يبين ما بين النظرية والتطبيق من تباين .
إن الشيوعية حين أصبحت نظاما للحكم انقلبت إلى شئ آخر غير ما كان يأمله دعاتها – وما أكثر النظريات التي تفتن وتخدع ، حتى إذا دخلت فى دور التطبيق العملي انحسر عنها لثامها وأسفرت عن حقائقها الأليمة !
كل ما كسبه الشيوعيون من شيوعيتهم أنهم صاروا آلات فى جهاز الإنتاج العام – وكانوا بشرا ذوي إرادة !
قد كفروا بالدين لأن الدين فى عرف الشيوعية خرافة ! وكفروا بالفرد لأن الفرد فى دين الشيوعية لا كيان له ولا حقيقة لوجوده وإنما الكيان للدولة !
وكفروا بالحرية لأن الحرية نوع من إيمان الفرد بذاته ، وليس للفرد فى النظام الشيوعي ذات ولا إرادة !
وكفروا بالمساواة فى نظام الدولة ، لأن الدولة فى دستور الشيوعية طبقات تنتظم فى هرم يتربع على قمته فرد ويحتشد ملايين الشعب فى القاعدة !
ألا ما أبعد واقع الشيوعية عن دعوة دعاتها !
ونحن المصريين .. نحن العرب .. نحن المسلمين والمسيحيين فى هذه المنطقة من العالم ... نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .. ونؤمن بأن لكل عامل جزاء عمله ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ونؤمن بأن لكل فرد فى كل جماعة كيانا فى ذاته ، وكيانا فى أهله ، وكيانا فى قوميته العامة وفى بلده ..
ونؤمن بحرية العمل ، وحرية الكسب وحرية النفقة فيما لا يعود على المجموع بمضرة !
ونؤمن إلى كل ذلك بالأخوة الإنسانية ، وبالتكافل الاجتماعي وبالإيثار القائم على الاختيار لتوثيق الروابط الإنسانية .
ونؤمن بأن لكل فرد فى الدولة حقا وعليه واجبا يكافئ هذا الحق ، وأن على الدولة لكل فرد فيها واجبا ولها عليه حقا يكافئ هذا الواجب ، فهي تبعات متبادلة بين الحكام والمحكومين ، ليس فيها قهر ولا إذلال ولا تسلط ولا طبقات قليلة العدد من السادة وطبقة ضخمة من العبيد !
هذا ديننا وذاك دين الشيوعية ... فلتؤمن الشيوعية بما تشاء وتكفر بما تشاء ، فليس يعنينا ما تؤمن به وما تكفر ، إنما يعنينا أن نؤكد إيماننا بديننا الذي ندين الله عليه ونترسم دستوره فيما نعمل لأنفسنا ولقومنا ...
كل ما بيننا وبين الشيوعية فى مذهب الحكم أو فى مذاهب الحياة ، أن الشيوعية دين ... ولنا دين ، ولسنا تاركين ديننا من أجل دين الشيوعية ."
أخبار اليوم 28-3-1959