مرض لعين يصيب الناس دون تفرقة، فلا يوجد شيء يقف أمامه حائل لا أطفال ولا نساء ولا شيوخ، فالجميع أمامه سواء ينقض عليهم فجأة دون رحمة، إنه السرطان، هذا البلاء الذي أصبح مرض العصر.

في الرابع من فبراير من كل عام، يحيي العالم "اليوم العالمي لمرض السرطان" آملين أن تحمل الأيام والسنين القادمة سبلا جديدة في إيجاد علاجات لـ"حاصد الأرواح".

وعلى الرغم من قسوة المرض وآلامه الجسدية المميتة إلا أن تقبل بعض مرضاه له جعل منهم رموز يستحي الأصحاء من قوتهم، وهو يرونهم في أصعب أيام حياتهم وفي المقابل يواجهون محنتهم برضا وإيمان ويغتنمون كل يوم ليثبتوا بكل قوتهم أنهم في معركة وأن خصمهم السرطان لن يستطيع هزيمتهم تاركين مصيرهم في يد الله، إما تجاوز المرض والبدء من جديد أو الوفاة بعد قصة طويلة مليئة بالقيم الإنسانية، وتكريما لسيرة من توفوا وإهداءا لمن لا يزال يصارع المرض، نستعرض نماذج لبعض الشخصيات العامة التي ساقها قدرها إلى هذا المصير.

تاليا جوي كاستيانو.."محبة الحياة" التي خسرت معركتها مع السرطان..

من أكثر القصص التي أدمت قلوب وأدمعت أعين الملايين حول العالم، فتاة أمريكية صغيرة جميلة، مرحة، محبة ومقبلة على الحياة، شاء القدر أن تبدأ خطوات حياتها بالمرض اللعين، فبعد أن أتمت السبع سنوات فقط اكتشفت إصابتها بمرض السرطان.
بداية اكتشافها للمرض كانت نتيجة شعورها بآلام مبرحة في البطن وحمى، وأظهرت الأشعة وجود ورم في الأنسجة العصبية وهو نوع نادر من أنواع السرطان.

وعقب فترة من العلاج والفحوصات، تعافت تاليا من المرض وظلت متعافية لمدة عام، إلا أن المرض أبى أن يتركها فعاد إليها من جديد بصورة أخطر.

على الرغم من سنوات عمرها الصغيرة وكونها بدأت الدخول في مرحلة المراهقة، أرادت أن تعيش تلك المرحلة مثلها كمثل أي بنت، بما بين الذهاب إلى المستشفيات وإجراء الفحوصات وتعليق المحاليل والخضوع لجلسات العلاج الكيماوي المؤلمة.

لم تترك الصغيرة نفسها فريسة ذو نفسية مدمرة بل خضعت لنصيبها وأصبح اهتمامها بكل ما يخص عالم التجميل من أدوات ماكياج وتصميم ملابس، وقامت بإنشاء قناة على موقع اليوتيوب جذبت أكثر من 89 مليون مشاهد يتابعونها وهي تعلم غيرها من الفتيات كيف يضعون الماكياج بصورة احترافية لفتاة في مثل عمرها.

كما أنشأت جمعية باسم "يوربانا تشابا بلوس أنجلوس"، لتشجيع المرضى الصغار على تحدي المرض وعدم الاستسلام له، وفي الوقت ذاته أصبحت وجها للعديد من المجلات والصحف وعلى رأسهم "بيبول" و "كافر جيرل".

في الـ 16 من يوليو عام 2013، فارقت تاليا الحياة التي أحبتها من كل قلبها وتمسكت بها لآخر لحظة، وقد حدثت الوفاة في مستشفى أرنولد بالمر في فيرن بارك بولاية فلوريدا الأمريكية، وذلك قبل شهر واحد من عيد مبلادها الـ14، توفيت تاليا بعد 3 أشهر أمضتها في العناية المركزة وبعد سنوات طويلة من عمرها قضتها في ألم غير منقطع، ولكنها تركت وراءها ما هو أعظم، تركت روحا مرحة وقلبا صافيا، وإرادة قوية ظلت تحارب حتى آخر نفس.

شيبا أمير..الأم التي حولت من موت ابنتها فرصة لمساعدة الملايين..

كيف سيكون حال أم حين تتوفى ابنتها بعد معاناتها مع مرض السرطان؟، ستحزن ستبكي ستترك العالم وتنعزل، ربما ستظل متشحة بالسواد مجرد جسد بلا روح.

لا تلام أي أم على تلك الأحاسيس، فلا يوجد شىء غالي عند أي أم بقدر أبنائها، ولكن "شيبا أمير" تلك السيدة الهندية التي فقدت ابنتها كان لها رأي آخر، فمعاناة ابنتها مع السرطان التي انتهت بوفاتها، زرعت بداخلها أعظم القيم التي تجلت في الإحساس بالغير والرغبة في مساعدتهم حتى لا يلقوا نفس مصير ابنتها.

تروى "شيبا" مأساة ابنتها ذات الـ13 عاما، والتي أصابها مرض سرطان قائلة "قضينا سنوات طويلة لا نفعل شيء سوى أننا نذهب إلى المستشفيات، كان شعورا قاسيا للغاية أن أنام في نهاية اليوم وأنا لا أعلم إن كانت ابنتي ستظل معي لليوم التالي أم أنها ستموت".

وتابعت "شيبا"، كنا محظوظين للغاية لامتلاكنا المال وهو ما جعلنا ننفق ونلقى المعاملة الحسنة إضافة إلى قدرتنا على توفير علاج لابنتنا، تلك النقطة التي لا يمتلكها الكثيرون من الفقراء"، "بعد خضوعها للعديد من جلسات العلاج الكيماوي وعملية زرع لنخاع بالعظام شفيت الصغيرة من مرضها، ولكن لم يدم شفائها فسرعان ما عاد إليها المرض بشراسة".

لم تدم رحلة ابنة "شيبا" طويلا، فتدهورت حالتها في وقت قصير حتى وافتها المنية، تاركة ورائها أما قوية وقفت بجانبها حتى اللحظة الأخيرة، بل ولم تتركها حتى بعد وفاتها، فأبقت ذكراها خالدة بعمل خيري جليل.

قامت الأم بإنشاء جمعية أسمتها "عزاء" لمساعدة المرضى السرطان وتوفير المساعدة الطبية والنفسية والاجتماعية بأسعار معقولة للمرضى وأسرهم، وذلك عبر فريق مكون من 30 إلى 40 شخصا يقومون بتلك المهام مع تلقيهم للتبرعات من العديد من الجهات الداعمة للفكرة.

واعتبرت جمعيتها بمثابة شعاع أمل لمرضى السرطان، وتجلى نجاحها بصورة كبيرة بعد أن استطاعت الوقوف بجانب حوالي 900 مريض من حول العالم وتقديم كافة سبل الدعم لهم.

قد يظن البعض أن بوفاة تاليا وابنة شيبا أستطاع السرطان هزيمتهم ولكن الحقيقة أن الفتاتين الصغيرتين هن من هزمن السرطان بالصبر والقوة وتحمل آلام مبرحة لا يقوى على تحملها الكبار حتى وفاتهم.