هاشم بحري: التاريخ وجينات المصريين سببان للتفاؤل 2013- م 09:22:29 الخميس 28 - مارس د.هاشم بحري أجرى الحوار: عبدالهادي عباس ماذا حدث للشخصية المصرية وهل أرجعتها الثورة للخلف بدلاً من أن تدفعها للأمام..أم أنها طاقات مكبوتة وجدت طريقها للخروج ولو على صورة الفوضى، ما دامت كل الأطراف السياسية تدير ظهرها لمطالب الثوار، وتصرّ على إخراجهم من المشهد..حملنا كل هذه الأسئلة وذهبنا بها إلى عالم الطب النفسي الشهير رئيس قسم الأمراض النفسية بجامعة الأزهر د.هاشم بحري فكان هذا الحوار: *في البداية لابد أن نسألك عن أهم الأسباب النفسية التي أدت إلى انتشار ظاهرة العنف في الشارع المصري؟ ** العنف ظاهرة موجودة منذ سنين طويلة، فالغضب أصبح أمراً خطيراً جدّا، وقد قلت منذ 12 سنة عندما تم هتك عرض فتاة العتبة بأن الأمور ستصبح أسوأ، لأن النظرية واحدة، مادمت تضغط على الناس دون تنفيس للغضب فلابد أن يخرج هذا الغضب بهيئة عدوان سواء للداخل أو الخارج. *ولكن ألا ترى أن الشخصية المصرية قد اختلفت أثناء الثورة، وكان المتوقع أن تستمر هذه النغمة الجميلة..فلماذا ارتدت لما كانت عليه؟ ** لم ترتد، ولكن الشخصية المصرية مكونة من شقين: شق الحضارة الذي يقوم على الأصول والأخلاقيات والآداب والعادات والتقاليد والقيم والإيمان بالله.. إلخ، لكن في علم الإنسان ما يحدث الآن يسمى ثقافة وهي آخر خمسين إلى مائة سنة من عمر المصريين، وهذا هو الشق الثاني، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، وهو صراع القوة، أو صراع على كراسي السلطة. *وبرأيك ..إلى أين ستؤدي هذه الثقافة بمفهومها الذي ذكرت؟ **الدولة تتحد في حالة الهجوم الخارجي مهما كانت الخلافات الداخلية، فالاحتلال الخارجي يكون دافعًا قويًّا لتوحد الشعب، ولكن الذي أثُر في مصر وضربها في مقتل هم العثمانيون، لأنهم دخلوا عن طريق الدين. *ولكن الأخطار محدقة بنا بالفعل من كل جانب، ومع هذا فالخلافات تزداد حدة.. فما قولك؟ **نحن نحتاج إلى هدف واحد، فالأمة المصرية اتحدت عندما هاجمها عدو خارجي، لكن الأعداء الذين أثروا في الشعب المصري هم الذين دخلوا عن طريق إدعاء الإيمان بالله، وهذه المنطقة هي الوتد الرئيسي للشعب المصري ويسهل التأثير عليه في هذه الناحية..وخطورة ما يفعله الإخوان المسلمون الآن أنهم يؤثرون على المكّون الرئيسي للدولة وللشخصية الرئيسية للشعب، وهذا ليس منطقيا، لأننا لدينا كوارث أخرى يجب أن ننتبه إليها مثل الفقر والمرض والأمن القومي، وتآمر دول كثير على مصر. *إذن أنت ترفض التداخل الحادث الآن بين الدين والسياسة؟ **طبعاً، لأنك هنا تلعب في أخطر مكان للمكون الرئيسي للشخصية المصرية، ولذلك ستجد كثيراً من الناس يقول لك إنه تم خداعه، لأنه كان يتصور أن حديثهم هو الطريق إلى الله..فإذا به يتحول إلى الطريق نحو صناديق الانتخابات. *إذن كيف تفسر الاختلافات الحادة بين الجماعات الإسلامية الممارسة للعمل السياسي؟ **السلفيون لهم مدخل في الدين أحترمه، والإخوان يقولون إن لهم مدخلاً آخر.. وهذا الانشقاق بينهما يوضح أن الموضوع غير متعلق بالدين، وإنما بالكرسي السياسي، وأن الصراع المستخدم الذي يتم فيه استغلال الناس سيئ جدًّا، لأنهم ببساطة شديدة لا يريدون الاعتراف بأنهم غير مؤهلين سياسيًّا، فليس عيبًا أن يعترض الناس على الإخوان ويقولوا لهم إن ما تفعلونه يحتاج إلى دراسة أكبر. *وما تقييمك أيضًا للجانب الآخر من المعادلة..أي المعارضة الممثلة في جبهة الإنقاذ؟ **جبهة الإنقاذ مجموعة من الناس الذين يّدعون أن الدولة أهم، ولكن في الحقيقة كراسيهم أهم فالحقيقة أن جبهة الإنقاذ هي من أساءت إلى نفسها، لذلك لا أرى في جبهة الإنقاذ ما يدعو إلى التفاؤل. *ولكن بعض خبراء الأمن يؤكدون أن هذه التجمعات سواء الألتراس أو البلاك بلوك تحمل بعض الخطورة على الأمن.. ما تعليقك؟ **طبعاً هذا غير صحيح، إذا قمت بتهميش أي فئة تصبح خطيرة فلابد أن نفهم كيف نغير فكرة أن كل من يخالف الحاكم يصبح عدوًّا. *وهل تعتبر أن الحرق والتدمير والاعتداء نوع من الثورية وليس الفوضى؟ **هذه أمور سوف تزداد، لأننا نتعامل مع العرض وليس المرض. *بعد كل ما يحدث الآن.. هل أصبحت الشخصية المصرية في أدنى مستوياتها لصالح شخصيات عربية أخرى؟ **بالعكس، فلا تزال الشخصية المصرية هي القدوة، ولا تزال مصر رغم الظلام الذي نعيش فيه هي النور الذي يضىء الطريق للأمة العربية. *إلى أي مدى أثّر كرسي الرئاسة في شخصية الرئيس مرسي؟ ** أبعده عن الناس، فبعد أن كان الرئيس وقت ترشحه للرئاسة يتحدث إلى الناس من خلال البرامج التليفزيونية ويذهب إلى الجامعات.. واستبشر الناس خيرًا به، أصبح الآن يخاطب فئات محددة وهم جماعته فقط. *ولكن هناك من يعتقد أنه لا يوجد بديل لجماعة الإخوان في الشارع؟ **الإخوان ليسوا كل الشعب، وقد رأينا ما حدث مؤخرًا في الجامعات والنقابات..وكيف رفض الناس اختيارهم. *إلى أي مدى حققت الثورة أهدافها؟ **لا شىء تحقق حتى الآن. *هل يعني هذا أنك متشائم؟ **هناك شىء علمي أراه عندما يصل الإنسان إلى قاع حمّام السّباحة، لابد أن يخرج وإلاّ مات.. وهذا الشعب لا يموت، وعندي تصوّر أنها ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت.. وعندي احتمال ثالث وهو جينات الشعب المصري نفسه الذي تعامل مع ظروف أسوأ من هذه بكثير، فاعتماداً على التاريخ، وقوة الإنسان المصري، واعتماداً على تفاؤلي بأن الله يحرس هذه الأمة، وأن هذا الشعب هو أفضل شعوب الأرض.. لذلك أنا متفائل بأن شعبنا سيكون أكثر حرصاً على بلده.