إمرأة تعيش في كارتونة 09/12/2011 06:28:34 م محاسن الهواري لا أحد يعرف منذ متي تعيش هذه المرأة داخل تلك الكومة من أوراق الكراتين الصغيرة، فوق هذا الرصيف الفقير بشارع رمسيس ربما أيضا لا يلاحظ الكثير من المارة أنه تحت أشعة الشمس الحارة صيفا، والأمطار القاسية شتاء، تعيش داخل هذه الأوراق الكرتونية هذه السيدة المسكينة التي ترفض الحديث مع أي عابر يود أن يعرف منها شيئا عن حياتها. ترتدي جلبابا أسودا وترتسم علي ملامح وجهها الرقيق معاناة وألم، ظللت لفترة طويلة أتحدث إليها ولا تجيبني، إلي أن جاء اليوم الذي أجابت فيه علي هذا السؤال: هل لديكِ بيت تذهبين إليه؟  أجابتني بإقتضاب: لا .. وأشاحت بوجهها عني. أدركت وقتها أنها إمرأة تحمل وراءها مأساة، سيدة في أواسط العمر ضاقت بها مصر الواسعة فلم تجد لها مكان سوي رصيف الشارع، قالت لي فيما بعد أنها فاقدة للذاكرة ولا تعرف لها اسم ولا تتذكر شيء عن ماضيها. حاولت أن أعرف حقيقتها، نشأت بيننا صداقة من نوع ما، ويوما بعد يوم تكسرت الحواجز بيننا، في كل يوم كنت أتعاطف أكثر فأكثر معها، ولاسيما حينما كنت أري مضايقات المارة لها الذين يتعمدون الإحتكاك بأوراق الكرتون التي تغطيها، بالإضافة إلي مضايقات الرجال لها في الشارع. هي تعيش كأنها مسجونة داخل كرتونتها، لا تتحرك من مكانها ليل نهار، تقرب الراديو من أذنها، يمكنك القول بأنها "أكثر سيدة تستمع للراديو في مصر"، أنت لا تعرف ما الذي تسمعه هذه، ولا ما رأيها فيما تسمع، ولكنك فقط تلاحظ تلك الحميمية التي تقرب بها الراديو من أذنها. كشفت لي مؤخرا عن سرها الأليم قائلة: "أنا لاأذكر كثيرا عن حياتي الماضية، أقدم ذكرياتي أيام الثورة، حين صدمتني سيارة كانت تسير عكس إتجاه السير وأنا أعبر الطريق، هل تتصوري في شارع رمسيس سيارة تمشي عكس الإتجاه؟!َ، وقتها أخذوني إلي المستشفي وبعدها وجدتني هنا، ولا أعرف ما حدث لي حتي الآن"، نظرت فأفزعتني أثار الجروح علي قدميها وساقيها، حكت لي ذات مرة عن تفاصيل حياتها البائسة قائلة "أجلس هنا لا أستطيع الحركة، قد أنتظر أياما إلي أن يجيبئني طعام، وبين حين وآخر قد يتكرم أحد المارة ويملأ لي زجاجة المياة من الكولدير". يدور في ذهني هذا السؤال، في كل مرة أذهب لزيارتها: تري هل يعرف السادة المسؤولون في مصر شيئا عن معاناة هذه المرأة المسكينة التي تعيش في كرتونة علي رصيف شارع رمسيس؟، هل يعرف السيد النائب العام أنه علي بعد خطوات من مكتب سيادته تعيش هذه السيدة في تعاني في صمت ولا يشعر بألمها أحد إلا الله؟.